الطائفة ورموزها أولاً.. الحوثيون يفخخون مناهج التعليم في اليمن (تقرير)
مع بداياتها في تسعينيات القرن الماضي استعارت الحركة الحوثية الإرهابية أساليب أسلافها الإماميين وأسيادها الإيرانيين، في طمس هوية اليمنيين وإعادة تشكيل الشخصية اليمنية بهدف تطويعها لخرافات السلالة والولاية.
وفي هذا السياق عمدت مليشيا الحوثي لتعديل الكتاب المدرسي منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014م، غير أنها اصطدمت، حينها، بحاجز صد قوي شكّله المؤتمر الشعبي العام برئاسة الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح، والذي دفع حياته ثمناً لموقفه التاريخي يوم 4 ديسمبر 2017م.
ومنذ ذلك التاريخ -استشهاد الزعيم- عاودت مليشيا الحوثي تنفيذ مخططها لتغيير المناهج وفق مخطط يستهدف طمس الهوية الوطنية اليمنية.
وأقدمت المليشيا، بالفعل، على التغيير التدريجي في المناهج، واشتدت وتيرتها هذا العام بمناهج صفوف المرحلة الأساسية من الأول حتى السادس، فيما كانت غيرت العام الدراسي الماضي كتب صفوف المرحلة الإعدادية من السابع حتى التاسع، ومن المتوقع تغيير مناهج الثانوية العامة في العامين الدراسيين المقبلين.
المواد المستهدفة
استهدف الحوثيون تغييرات جذرية طالت كتب القرآن، التربية الإسلامية، اللغة العربية، التاريخ، والتربية الوطنية.
يقول مدرس لغة عربية، في إحدى مدارس العاصمة المختطفة صنعاء، إنه "لا يوجد أي تطوير أو تحديث يواكب متطلبات العصر مثل ما يقولون، بل تعديلات تلبي طموحاتهم وتوجهاتهم العقائدية والطائفية والتعبوية. ما يحصل كارثة بكل المقاييس، دُمر كتاب اللغة العربية للصفوف الأولى والأساسية، وأصبح كتاباً مفرغاً من أية معلومة تفيد الطالب، قتلت فيه اللغة وعلت فيه اللكنة الطائفية، واختفى التنوع المجتمعي، وحولت كل الأمثلة لحسين وعلي ويحيى وفاطمة. المنهج أشبه بملزمة، يفتقر لأي تقييم".
في كتاب اللغة العربية للصف السادس، الجزء الأول، الصفحة 21، أضيف درس بعنوان "فقدان التربية الواعية" هاجم فيه المؤلف منظومة التعليم العالمية ورأى أنها هشة وفرضت تعليم (اللغة الإنجليزية)، وفي حوار ومناقشة الدرس وصفت الكتب القديمة بأنها تعاني من أزمة أخلاقية.
أما في جمل النحو والإعراب فلا يستدلون إلا بزيد أو علي أو يحيى أو حسين، وهي أسماء اُختزلت كرموز لإيران ومليشياتها، ومن الأمثلة عبارة "كافح زيد الغزاة" الواردة في الصفحة رقم 25 من الكتاب ذاته، وفي الصفحة 27 كل الأمثلة تحتوي على كلمة الجهاد والغزاة والتحرير والوصاية، وكل هذا يوظف في دعم وترسيخ أفكار الجماعة.
وفي درس "أهمية العلم" في الصفحة رقم 59، استخدمت صورة تدل على العلم لمحاضرة لأطفال في درس ديني تابع للجماعة في أحد مراكزها، رغم أن دروس العلم في الكتاب اليمني المدرسي بطبعاته المختلفة كانت تستخدم صوراً لطلاب في مدرسة حكومية بتعليم نظامي.
وفي كتاب اللغة العربية للصف الرابع الأساسي اُستحدث في الجزء الثاني، الصفحة 115 وحتى نهاية الوحدة درس عن مؤسس المليشيا الهالك حسين الحوثي، ووظفت الوحدة كلها للحديث عنه.
وأضيفت أيضاً قصائد وصفت بالضعيفة والركيكة لشعراء لا تاريخ لهم مثل قصيدة الشهيد الحيّ لحوثي متشاعر يدعى معاذ محمد الجنيد، ولقي ذلك استهجاناً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي.
دين و"وطنية" المليشيا
لم يقتصر التغيير على كتب اللغة العربية، فقد كان التغيير أعم وأشمل في كتب التربية الإسلامية، وامتلأت كتب الصفوف الأولية بصور لجنود المليشيا وصناديق التبرع لجبهات القتال، ووضعت صيغ جديدة للتشهد وإضافة عبارة لصيغة الأذان، وشددت المليشيا في تغييراتها للمناهج على واجب الاحتفال بالمولد النبوي.
ومن الانحرافات في مادة التربية الوطنية غيرت المليشيا الغلاف لكتاب الصف الثامن ووضعت عليه صور أحد قتلاها، وزادت "وحدة الهوية الوطنية"، مدعمة الكتاب بصور الأسلحة والجنود مع عبارات تؤكد أن هذا يمثل السيادة والاستقلال والدفاع عن الوطن.
وفي الصفحة 36 من نفس الكتاب وجدت صور لكتب تتبع الجماعة، باعتبارها حقوقاً ثقافية وفكرية.
امتحانات طائفية
وقالت مصادر لوكالة "2 سبتمبر"، إن "الحوثيين يريدون فعلاً إلغاء مجانية التعليم، وأن يتحول التعليم لقطاع خاص بحت، ولا يهتمون من سيكمل أم لا، الأهم أن تنفذ أفكارهم، وأن يتحول التعليم لمراكز محاضرات طائفية كلها جهاد وقتل وحرب وطاعة لما يسمى (آل البيت) فقط.
وأضافت: أصدرت مكاتب التربية والتعليم في صنعاء، قبل أيام، قراراً بتحويل اختبارات الصف السادس والسابع والثامن لاختبارات مركزية بنماذج اختبارات موحدة من الوزارة، وهذا لأن مسؤولي الوزارة الحوثية عندما اطلعوا على اختبارات الأشهر الماضية لم يجدوا أي سؤال طائفي، وأن أغلب المدارس تدرس الكتاب بطبعته القديمة، فكانت ضربة موجعة لهم، وتم إلزام المدارس بتدريس الكتاب الجديد، وتوحيد أسئلة الاختبارات وستكون مليئة بأسئلة من دروس الطائفية والجهاد وحب مزعوم "آل البيت".
تسويق الخرافة
ويشهد التعليم في اليمن تراجعاً منذ بدء الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثي بشكل واسع العام 2014. وقال تقرير صدر مؤخراً عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن، إن مليوني طفل خارج المدرسة، و8 ملايين يحتاجون إلى دعم لمواصلة تعليمهم، وواحدة من كل أربع مدارس تعرضت للتدمير أو الضرر أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية.
ويقول القيادي النقابي وأحد مستشاري وزارة التربية والتعليم أحمد غيلان لوكالة "2 ديسمبر": مليشيا الحوثي استحوذت على كل إمكانات وزارة التربية والتعليم، والتعليم الفني والمهني، والتعليم العالي، وتستنزف كل الدعم المقدم للتربية والتعليم على كل المستويات، وتسخر كل هذه الإمكانات لتحول المؤسسات التعليمية بمختلف أشكالها ومستوياتها إلى أدوات دعاية وتسويق لخرافاتها، وتجعل من المدارس والمعاهد والجامعات مراكز وحاضنات للتعبئة الطائفية المنحرفة.
ويؤكد: في المناهج تستبدل دروس العلم بالخرافات، وتكريس الطائفية المتطرفة، وتستبدل الدروس الدينية بدروس الفُرقة والطائفية والفكر الاثنى عشري المنحرف، وتستبدل دروس التاريخ اليمني والعربي بدروس تمجد الفرس وأذنابهم والعصابات الطائفية الإرهابية. وفي الثقافة والأدب تستبدل الثقافة المعتدلة ورموزها وقيم الخير والسلام بثقافة عنصرية طبقية تقدس الأصنام والصنمية، وتمجد المنحرفين والأدعياء والمتطرفين، وتستبدل قيم الحق والعدل والمساواة والحرية وقيم الإنتاج والإبداع، بكل ما يبرر العبودية والتبعية والطبقية والعنصرية.
ويختتم غيلان قائلاً: باختصار، فإن مليشيا الدمار تستخدم إمكانات التربية والتعليم لممارسة التجهيل المنظم، وتحيل مؤسسات التعليم إلى جروف للتعبئة الطائفية، وصناعة جيل من المنحرفين والإرهابيين والقتلة والمسيَّرين، الذين تنفذ بهم جرائمها وتسوقهم إلى الموت والدمار.