يجلس محمد بجوار ابنته بثينة (١٨ عامًا) المصابة بوباء حمى الضنك، وقد حاصرته الهموم والمخاوف حول مصير ابنته المجهول، وخوفًا من أن يفقدها كما حدث لكثير من المصابين بالمرض بمحافظة تعز، ويزيد ثمن فاتورة العلاج مواجعه وألمه، لا سيما مع تفاقم معاناة المواطنين في المدينة بسبب الحرب والحصار الحوثي.
 
ليس محمد وحده من يعاني من تعرض أحد أفراد أسرته لحمى الضنك، حيث تشهد مدينة تعز موجة جديدة وواسعة لانتشار وباء حمى الضنك، الأمر الذي أثار مخاوف الكثير من سكان المدينة، وأصبح الوباء همهم الكبير وحديثهم الشاغل في كل وقت.
 
وتُعد حمى الضنك نوعًا من الأمراض الفيروسية، التي تنقلها أنثى البعوض وتهاجم الصفائح الدموية بالجسم، وتصاحبها أعراض مرضية وخيمة أبرزها الحمى والصداع والتعرق وأوجاع المفاصل وألم خلف العيون، وقد يصاحبها تقيوء وطفح جلدي، كما تقول منظمة الصحة العالمية. 
 
وبحسب منظمة الصحة، لا يوجد علاج محدد للوقاية من حمى الضنك، وما تزال المنظمة تعمل على إنتاج لقاح فعال، لهذا تنصح بالحرص على مكافحة مسبب الوباء المتمثل بأنثى البعوض في أماكن تواجدها، وردم أماكن تجمع المياه الضحلة والمكشوفة.
 
قطاع صحي منهك
 
في ظل تفشي وباء حمى الضنك، يتجه أغلب من تظهر عليهم أعراض الإصابة بالوباء إلى المشافي للبحث عن العلاج؛ إلا أن المشافي بالمحافظة تعجز عن تقديم الرعاية الصحية اللازمة لافتقارها إلى أغلب الخدمات الطبية بسبب الحرب والحصار الحوثي على المدينة للعام الثامن على التوالي، الأمر الذي تسبب في انهيار القطاع الصحي وتفاقم معاناة المواطنين.
 
المواطن محمد محمود، يشرح معاناة أسرته مع المرض لوكالة "٢ ديسمبر"، قائلًا: "أُصيب ابني الأصغر (٨ سنوات) بحمى الضنك، ونقلته للمستشفى؛ لكنه توفى بعد أسبوع بسبب افتقار مستشفيات المدينة للإمكانيات اللازمة والمعايير الحقيقية لتقديم خدماتها للمرضى".
 
من جهته، يقول المواطن قائد علي لوكالة "٢ ديسمبر": "مرضت أنا وكافة أسرتي ومررنا بحالة صعبة جدًا وذهبنا إلى المستشفى للعلاج؛ لكن كل ما وجدناه من علاج هو مهدئات، تهدىء الجسم لفترة قليلة ويعود الألم أكثر من السابق"، مضيفًا أنه تجاوز مرحلة الخطورة؛ غير أن زوجته هي التي تأثرت بشكل أكبر ولا زالت تعاني من الأعراض بشدة.
 
الناطق باسم مكتب الصحة بتعز تيسير السامعي، يُرجع أسباب ضعف القطاع الصحي بالمدينة إلى الحصار الحوثي الجاثم عليها منذ عدة سنوات، وما تسبب به من انهيار للخدمات الطبية وزاد من معاناة المواطنين صحيًا.
 
يقول السامعي لوكالة "2 ديسمبر": "المحافظة تحتاج إلى مركز متخصص في علاج الحُمّيات، لمعالجتها بطرق صحيحة، إذ إن أغلب المصابين يتلقون العلاج في مراكز غير متخصصة لا تستطيع التعامل مع المريض وقد تتسبب في مضاعفات عدة".
 
الحصار يضاعف المشكلة 
 
يعود تفشي وباء حمى الضنك في مدينة تعز إلى أسباب متنوعة تساهم في نمو أنثى البعوض الناقل للوباء من الأشخاص المصابين إلى الأصحاء، 
ويمثل موسم الأمطار مرتعًا خصبًا لنمو وتكاثر البعوض التي تعد السبب الرئيسي في انتشار وباء الحُميات، كما يقول الدكتور خالد لوكالة "2 ديسمبر".
 
من جهته، يؤكد السامعي إن مكتب الصحة بتعز يقوم بحملات رش ضبابي للقضاء على البعوض في المدينة، لكن الأماكن المهجورة التي تقع تحت نيران الحوثي تظل بؤرة نمو وتكاثر البعوض ولا تصل إليها حملات الرش الضبابي التي تقضي عليها.
 
ويوضح السامعي: "حصار الحوثي لمدينة تعز ومنعهم وصول المياه للمدينة أجبر المواطنين على تعبئة خزاناتهم، ومعظمها مكشوفة وملوثة، من مياه الأمطار، الأمر الذي جعل هذه الخزانات موطنًا آخر لنمو وتكاثر أنثى البعوض الناقلة الرئيسية للأوبئة والأمراض.
 
إحصائيات مرعبة
 
في الآونة الأخيرة، ارتفع أرقام المصابين بحمى الضنك في مدينة تعز، ووصفت جهات طبية أعداد الإصابات بالمرعبة. 
 
وفي إحصائية أخيرة نشرها مكتب الصحة في تعز، ارتفع عدد حالات الإصابة بوباء حمى الضنك إلى ٨٤٢٨ حالة، منها خمس حالات وفاة منذ بداية العام الجاري ٢٠٢٢م، ٢٣٢٥ حالة إصابة من بينها، خلال سبتمبر الماضي.
 
ويرى مراقبون أن الرقم الحقيقي لحالات الإصابة أكثر بكثير من الرقم الذي صرح به مكتب الصحة، إذ إن أغلبية المصابين لا يذهبون للمشافي بسبب حالتهم المادية البالغة في الصعوبة، ولا تصل إليهم أجهزة الرصد والإحصاء.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية