من الجهل اعتبار ذكرى الانقلاب الحوثي المشؤوم على الدولة بدلالته الزمانية (21 سبتمبر 2014)، محض صدفة ترافقت مع توفر الظروف أمامهم لإسقاط عاصمة اليمنيين صنعاء، وإعادة إنتاج الأفكار البالية والمشاريع الرجعية بنسخٍ أشد فظاظة وأكثر وحشية؛ بل تقصّدًا من المليشيا لإسدال ستار الانقلاب في الميعاد ذاته الذي أزاح فيه اليمانيون، قبل 6 عقود، خرافة الكهنوت وأسسوا أعمدة الجمهورية الحصينة على تربةٍ صلبةٍ من الوعي بعد تجاوزهم الحالة الغافية.
 
ليس مستبعدًا أن يكون تزمين الانقلاب قد ضُبط حينها بنفس تاريخ ثورة الـ26 من سبتمبر؛ غير أن أسبابًا ربما حالت دون ذلك حملت المليشيا إلى التعجيل بإسقاط الدولة، والسعي بجموح ناقم لطمس معالم الثورة السبتمبرية بتوقيت مقارب، وهو ما لم يؤتِ نفعًا أمام الحالة الجماهيرية المتجاسرة تمسكًا بمبادئ الثورة التي أسقطت نسخةً مشابهةً لمليشيا الحوثي قبل عقودٍ خلت.
 
وقد يكون إختيار المليشيا المدعومة إيرانيا يوم 21 سبتمبر ذات علاقة بتاريخ تولي البدر الحكم ( 30 سبتمبر) بعد هلاك والده الطاغية أحمد حميد الدين.. وفي الحالتين دلالة على أن عامل الزمن ممنهج  
 
أمام مقاربةٍ بسيطةٍ تتعلق فحواها بالثورة كحدث مفصلي تولدت من رحمها دولة العدالة والمواطنة المتساوية بعد كفاح عتيد، والانقلاب الحوثي الذي أنتج حربًا داميةً وأزمةً هي الأسوأ في العالم، يُفهم كيف أن اليمنيين يمجدون الـ26 من سبتمبر ويقدسون ثورتهم باحتفاءٍ صاخبٍ، يشير بالدلالة إلى مستوى الالتفاف حول المشروع الوطني، لا سيما وأن الانقلاب مضى باليمن في طريقٍ مقفرٍ ومميت وشتت الناس في المهالك.
 
ثمة إصرار شعبي ملحوظ على الابتهاج علنًا دون أن تبقى مظاهر الفرح دفينةً. ولعل هذا ما يعزز فكرة الجامع المشترك الذي يربط اليمنيين بلا استثناء مهما كانت تبايناتهم السياسية، إذ تبقى حالة الزهو الثوري من الثوابت التي تجسد حالة الوعي الشعبي في مواجهة الإمامة الجديدة، والحفاظ على استمرارية زخم الـ26 من سبتمبر كدافعٍ وحافز للمضي قدمًا نحو تحقيق مشروع استعادة الدولة.
 
مُطلقًا، لا يمكن البتة تقديم الثورة اليمنية على صيغة مقارنة مع الانقلاب الحوثي؛ الفرق شاسع والمقارنة ضربٌ من الهزال، ذلك لأن الثورة أنتجت دولة وخلقت وعيًا وبنت جيلًا ومؤسسات ودفنت كل المشاريع الحاطة بالكرامة والسالبة للحرية، والانقلاب دمر دولة وشعبًا ومؤسسات؛ لكن من المهم الإحاطة بكلا الحدثين لفهم العِبر وإدراك المآلات والمخاطر التي يكتنفها المشروع الحوثي المستورد، والحاجة لمقاومته بكل السبل والإمكانات.
 
على أدق اختصار، يظلُ "المارد" وقود ثورة نقلت اليمن من براثن الجهل والتخلّف والظلام، إلى عهد جمهوري جديد، وبعد أكثر من 5 عقود، تخلّقت الإمامة من جديد في لحظةٍ فارقة، وقفز المتمرّد يستبيح الأرض ويفسد الدولة ويفتك بالناس؛ ومع ذلك فإن عقودًا من الكفاح خاضها اليمنيون ضد الائمة قبل دفن مشروعهم، ستتكرر لا محالة شريطة الإصرار والعزيمة والجهد المشترك لإلقاء الإمامة الجديدة إلى المصير ذاته.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية