يتحدث الشاعر عبدالله البردوني في كتابه الثقافة والثورة في اليمن عن ثورة 26 سبتمبر بالقول: "بلادنا أحر احتفاظاً بالثورة لأنها تدفقت من عناصر الواقع تعبيراً واستجابة لتغييره، لهذا يصعب على أي فريق أن يتجاوز دائرة ثورة سبتمبر، وإنما ينطلق منها حتى إلى ضدها". ومقولة البردوني هذه لم تكن مجرد رأي، بل كانت استقراء لقادم سوف يأتي، وهو ما جاء مع مجيء جماعة الحوثيين الانقلابية التي تنطلق من ثورة سبتمبر ضدها، من خلال محاولاتها الجادة طمس كل ما له علاقة بالثورة التي أطاحت بالنظام الإمامي وأعلنت عن قيام النظام الجمهوري.
 
يدرك الحوثيون جيداً أن ثورة 26 سبتمبر راسخة في ضمير ووجدان اليمنيين باعتبارها المحطة الفارقة التي نقلتهم من العصر البائد إلى عصر جديد، ومن عصر التخلف إلى عصر العلم والمعرفة، ومن زمن الذل والخنوع إلى زمن الحرية والانعتاق، وفتحت أمامهم عهداً جديداً دفعوا ضريبته من نفيس التضحيات والفداء.
ولهذا يعمل الحوثيون على طمس ثورة 26 سبتمبر تدريجياً من وجدان وضمير الشعب، من خلال طمسها من المناهج التعليمية، وإيقاف الاحتفال بها، والتوجه للاحتفال بذكرى انقلابهم المشؤوم في 21 سبتمبر.
 
ولا يتردد الحوثيون بمدح الأئمة والنظام الإمامي البائد في سياق حديثهم عن العدل المزعوم في زمن الأئمة، فيما يذهب بعض قياداتهم للحديث صراحة عن حنينهم للنظام الإمامي، ومهاجمة الدور المصري الداعم لثورة 26 سبتمبر والنظام الجمهوري، واستدعاء قيم العنصرية والاستعلاء الطبقي والحديث عن الحق الإلهي في الحكم.
 
الناشط سنحان سنان قال إنه "منذ سقوط العاصمة اليمنية صنعاء بيد الحوثيين في سبتمبر 2014، تحاول الجماعة الدينية التي تقوم عقيدتها على نظرية الإمامة وحصر أحقية الحكم فيما يُسمى "آل البيت"  أن تسيء لهذه الثورة من خلال الآتي: تصوير التدخل المصري الداعم للثورة اليمنية في ستينيات القرن الماضي على أنه احتلال طامع في السيطرة على اليمن، وتمجّد القوى الأمامية التي قاومت هذا التدخل المساند، بل إنها تباهي بعدد القتلى المصريين الذين سقطوا في المعارك في مواجهة القوى  الإمامية، كما أحيا الحوثيون العديد من المناسبات الدينية التي تحمل طابعاً طائفياً مثل عيد الغدير تحت مسمى "يوم الولاية"، وكذلك أعادت إحياء المولد النبوي الشريف بيافطات تحمل شعاراتها المستقاة من الثورة الإسلامية في إيران".
 
ويضيف سنان أن المليشيا الحوثية "قامت، كذلك، باستنساخ مناصب دينية فوقية مثل "قائد الثورة" و"علم الهدى" وغيرها من التوصيفات الدينية التي تعلي من شأن زعيم الحركة الدينية بصفته يتلقى علماً وتأييداً إلهياً، وأنه غير خاضع للنقد والتقييم الذي جاءت به ثورة سبتمبر، أضف إلى ذلك أن المليشيا الحوثية لم ترفع علم الجمهورية اليمنية إلا بعد الحرب، وتحرص على أن يكون شعارها الطائفي هو العلامة البارزة تحت مسمى "الصرخة" حتى أنّ رئيس ما يسمى مجلسها السياسي لا ينبس ببنت شفة في المناسبات التي يحضرها ويُعزف فيها النشيد الوطني، بينما يطلق هو والحاضرون الصرخة الطائفية بأصوات عالية".
 
ويشير "سنان" إلى أن آلة الإعلام الحوثية تحرص على تصوير حكم الأئمة من بيت حميد الدين بصفته حكماً وطنياً مستقلاً حافظ على السيادة والاستقلال، كما تعمل على تطييف المناهج الدراسية ومحو الرموز الوطنية السبتمبرية  وإدخال شخصيات طائفية بزعم أنها رموز دينية ووطنية مثل "الهادي الرسي" و"حسين الحوثي" و"صالح الصماد"، وكذا تكثيف الدورات والمعسكرات الصيفية وتعبئة النشء بالثقافة الجهادية التي تعلي من شأن فكرة الإمامة وأفضلية آل البيت وأنّ المليشيا الحوثية امتداد للصراع الهاشمي الأموي بصفته صراع بين الحق والباطل".
 
"سنان" نوّه بقيام المليشيا الحوثية بإجبار طلبة المدارس على تأدية الصرخة الطائفية بدلاً من تحية العلم والنشيد الوطني اليمني، ومعاقبة كل من يرفض ذلك، كما تعمل على تغيير عقيدة الجيش وتحويلهم من جيش جمهوري ثوري إلى "حرس ثوري" يدافع عما تسمى الولاية والمسيرة "القرآنية" بلغة جهادية تكفّر الآخر وتستبيح دمه، بالإضافة إلى ابتكار العديد من المناسبات الدينية كأعياد مثل "ذكرى الصرخة" و"استشهاد الإمام زيد" و"عاشوراء" و"قدوم الهادي إلى اليمن" بديلة عن أعياد الثورات والمناسبات الوطنية".
 
ورغم حالة التضييق التي تمارسها مليشيا الحوثي ضد الاحتفالات بذكرى ثورة 26 سبتمبر في مناطق سيطرتها، إلا أن تأثير هذا التضييق يأتي عكسياً من خلال زيادة الاحتفالات الشعبية بذكرى الثورة، من خلال إيقاد الشعلة في المدن والقرى،  ورفع العلم الوطني في الشوارع وعلى المحال التجارية، وكذا التفاعل مع الذكرى في وسائل التواصل الاجتماعي.
 
والملاحظ أنه كلما كثفت المليشيا الحوثية جهودها في طمس معالم ثورة 26 سبتمبر؛ برزت معالم الثورة أكثر، واتقدت في نفوس اليمنيين الذين لا ثورة لهم كثورة 26 سبتمبر العظيمة.
 
الكاتب الصحفي همدان العلي، قال إن ما يمارسه الحوثيون منذ سيطرتهم حتى هذه اللحظة، يأتي في إطار ما يمكن تسميته بالإبادة الثقافية، وحين نتحدث عن الإبادة الثقافية فهذا يعني وجود استهداف حقيقي للمنظومة الفكرية والثقافية والعقائدية للمجتمع، فالمعتقد الديني ومفاهيم النظام الجمهوري القائمة على العدل والمساواة والديمقراطية والتعددية مستهدفة بشكل كلي، وأيضاً حكم الشعب، فهذه المفاهيم والمبادئ والقيم يتم استهدافها بشكل ممنهج من قِبل جماعة الحوثي".
 
ويضيف العلي إن مليشيا الحوثي "تسعى للإطاحة أو لاستهداف إيمان اليمنيين بحتمية حكم الشعب، من أجل تعزيز معتقد السلالة والعِرق، وهذا ما يمكن وصفه بالإبادة الثقافية؛ لأن استهداف النظام الجمهوري من وجدان اليمنيين هو شكل من أشكال استهداف الهوية اليمنية".
 
مشيراً إلى "أن هناك تأثيراً لمحاولات الحوثيين طمس ثورة 26 سبتمبر من وجدان اليمنيين؛ لكن هذا التأثير لن يطغى على المبادئ الجمهورية، والدليل أن كراهية الناس لهذه الجماعة في ازدياد وتنامٍ، وكلما بقيت الجماعة واعتقدت بأنها تستطيع أن تطمس النظام الجمهوري من وعي اليمنيين؛ كانت الانعكاسات سلبية عليها، وازداد الناس كرهاً لها، وزاد إدراكهم لجوهر هذه الإشكالية التي نعيشها وهي وجود سلالة تدعي حقاً إلهياً وتفرض ذلك على اليمنيين، وتفرض نفسها كحاكمة ومسيطرة باعتبارها صاحبة الحكم والمال والجاه والثروة".
 
ويؤكد العلي "أن الحوثيين لن ينجحوا في تحقيق ما يصبون إليه، وما يريدونه هو جني بعض المكاسب الآنية والقريبة، لكن على المستوى الطويل ستكون النهاية لصالح الصف الجمهوري، وبالمقابل نحن بحاجة إلى أن يتم تكثيف الجهود للدفاع عن هويتنا وثقافتنا، وعن جمهوريتنا ومبادئها، بمعنى أنه لا يمكن أن يتصدى المجتمع لهذا الوعي الزائف إلا إذا كانت النخبة سواء كانوا سياسيين أو مثقفين أو شعراء أو صحفيين أو أكاديميين وكل فئات المجتمع، يجب أن تقوم بدورها لصد هجمات الإمامة التي تستهدف النظام الجمهوري، ولابد من التوعية بالمخاطر المحدقة، التوعية بأن هذه الجماعة تعزز العنصرية في المجتمع وتقضي على مبدأ المساواة، وهو أهم مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان على المستوى العالمي؛ فالمعتقد الحوثي السلالي يقضي على مبدأ التعايش في المجتمع، ويعزز الطبقية والعنصرية".
 
الظاهر، إذن، أن جماعة الحوثي تعمل جاهدة على طمس الصفحات المشرقة من تاريخ اليمنيين؛ غير أن ثورة سبتمبر تعود إلى الواجهة برموزها ومناسباتها، حيث تشهد الساحة اليمنية موجة احتفائية بهذه المناسبة، وتزين صور قيادات سبتمبر مثل السلال والإرياني والزبيري وعلي عبدالمغني صفحات نشطاء مواقع التواصل، وتدرك الأوساط الشعبية والسياسية أهمية هذه المناسبة التي تمثّل المشترك الوطني الجامع لكل التيارات والأطياف بإجماع منقطع النظير، حتى في مناطق سيطرة الحوثيين تتعالى الأصوات المحتفية بالمناسبة في مواجهة الإمامة الجديدة بعد القضاء عليها منذ ستة عقود.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية