تعمل مليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً بشكل منظم وممنهج على تغيير الهوية المذهبية للمجتمعات القاطنة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بينها مناطق بمحافظة تعز حيث تقود المليشيا منذ العام 2015 مساعي متواصلة لتغيير ثقافة المواطنين وأفكارهم ومعتقداتهم ونمط حياتهم بنشر المذهب الشيعي الصفوي في أوساطهم والتمهيد لإعادة حكم الإمامة، فضلاً عن فرض سطوة المليشيا على سكان تلك المناطق ومحاولة تركيعهم وتحويلهم إلى أداة طيّعة بيدها وجعلهم أكثر خنوعاً وتماهياً مع مشروعها الطائفي.
 
وتقوم مليشيا الحوثي بفرز المجتمع على أساس طائفي؛ إذ قامت بتصدير الشخصيات المزعوم انحدارها من سلالة بني هاشم، أو ما يُعرف في أوساط الجماعة بسادة آل البيت، إلى واجهة المشهد وقلّدتهم المناصب والوظائف الحساسة، كما أوكلت إليهم مهام التجنيد والتحشيد العسكري والخطابة في المساجد والتعليم وإدارة المدارس والتحكم بالوضع الأمني والعسكري، علاوة على التغلغل في أوساط المجتمعات والترويج لأفكارها ومعتقداتها واستقطاب الشباب والأطفال للانضمام إلى صفوفها والقتال معها.
 
وتعمل على ترهيب المجتمعات المحلية وترويعها ونهب ممتلكاتها وتجريدها من كل مقومات القوة ونوازع الرفض؛ وذلك لضمان استمرار بقائها على سُدة الحكم، مستخدمةً جملة من الممارسات الإجرامية لتفرض بها سطوتها وتُسكت الأصوات المعارضة لها، كما تسخِّر العديد من الأدوات لإقناع المواطنين بأفكارها العنصرية القائمة على ادعاءات حقها الإلهي في الحكم والولاية.
 
 أدوات
 
يقول مواطنون وناشطون لوكالة "2 ديسمبر"، إن مليشيا الحوثي استخدمت في مناطق سيطرتها بتعز المساجد وخطباء الجوامع والمدارس ووسائل الإعلام والمناهج الدراسية والأنشطة والإذاعات المدرسية والمخيمات الصيفية والدورات التي تسميها "التثقيفية"، والمناسبات الدينية؛ لخدمة أجندتها الطائفية وتحسين صورتها وإقناع السكان المحليين بجدوى ما تقوم به من حروب وممارسات وانتهاكات ونهب وفرز مجتمعي طائفي سُلالي.
 
يؤكد الناشط السياسي "أبو محمد" أن مليشيا الحوثي توظف تلك الأدوات لنشر فكرها الشيعي الصفوي وتمرير مفاهيمها العنصرية لفرز طائفي وسلالي، كما تقدم نفسها على أنها الحارس والحامي والمدافع عن الوطن ووحدته وسيادته واستقلاله، وأن حربها ليست من أجل السلطة بل تأتي للتصدي للأطماع الخارجية والمخططات الإسرائيلية والأمريكية وغيرها، وإنقاذ البلاد من الاستعمار.
 
وتجتهد المليشيا في قطع كل ما يربط الناس بماضيهم؛ إذ تحارب العادات والتقاليد المتوارثة التي لا تنسجم مع توجهاتها وفكرها، وتعمل على إحلال بدائل أخرى قادمة من عمق فكرها العنصري الطائفي، كما تكرس كل طاقاتها لاستهداف الشباب وتفخيخ عقولهم وتطويعهم للعمل لصالحها والقتال في صفوفها، حسب مواطنين وناشطين.
 
يذكر الخمسيني أبو محمد، وهو شخصية اجتماعية وقيادي حزبي يعمل في الحقل التربوي منذ عقود ويقيم في إحدى مديريات تعز الريفية التي يسيطر عليها الحوثيون؛ أن المليشيا قسّمت المجتمع على أساس طائفي إلى سادة وأتباع، وتدخلت في مختلف تفاصيل حياته بما فيها الزي الشعبي العريق والذي تقود مساعي لاستبداله بزي خاص بها ومستوحى من فكرها. 
 
ويضيف أن المليشيا تنشط في نشر عادات وتقاليد دخيلة على السكان في مناطق سيطرتها، وتنفّذ فعاليات لم تكن مألوفة لدى الناس في سنوات ما قبل الحرب، كما توزع "الملازم" الخاصة بها على الكثير من السكان، وتقيم الكثير من المناسبات بما فيها يوم الغدير وعاشوراء وذكرى كربلاء وغيرها، وتجبر المواطنين على المشاركة فيها باستخدام القوة والتلويح بقطع المساعدات الإغاثية والضمان الاجتماعي وإحالة الموظفين على التقاعد أو فصلهم من الوظيفة العامة.
 
 فرز طائفي
 
وفرضت المليشيا الحوثية على إدارات المدارس والمعلمين والطلاب تبنّي أفكارها ومعتقداتها، وأجبرتهم على المشاركة في مختلف فعالياتها والترديد الجماعي لما تُسمى "الصرخة"، وتدريس ملازم مؤسسها الهالك حسين الحوثي التي توزعها بكميات كبيرة، كما تفرض على هؤلاء بث الزوامل باستخدام مكبرات الصوت والإصغاء لخطب زعيمها المدعو عبدالملك الحوثي من خلال شاشات متلفزة تم نصبها من قِبل المليشيا، مع تطفلها على مختلف الأنشطة المدرسية كطابور الصباح والإذاعة المدرسية، والاختبارات والمسابقات التي تحضر فيها الأسئلة المستقاة من فكرها وشعاراتها وملازمها وخطب زعيمها.
 
يقول الباحث نبيل البكيري: ترتكز مليشيا الحوثي في فكرها على أسس مذهبية وطائفية وسلالية، إضافة لجملة من الخرافات التي لا يمكن لأي أحد تقبلها والتسليم بها، ولذلك تلجأ لأساليب متعددة وتروج لأفكارها عبر إجبار الناس على اعتناقها وفرضها عليهم بالقوة والترهيب كما هو حاصل في كثير من المناطق الخاضعة لسيطرتها، بما فيها المناطق الشافعية كإب وتعز أو المناطق التي ترفض أفكار المليشيا رغم أنها زيدية.
 
يتابع البكيري: لا يتقبل الناس أفكار ومعتقدات المليشيا، والتي استغلت ظروفهم الراهنة وتمكنت من إخضاعهم لإرادتها ونشر خرافاتها عبر استخدام الكثير من الأساليب بما فيها المناهج الدراسية والتي تُعد الأخطر، إلى جانب تنظيم الدورات الثقافية واحياء الكثير من المناسبات المذهبية وذلك على مدار السنة، والتي لا يكاد يمر شهر منها إلا وتحيي فيه مناسبة من مناسباتها لترسيخ أفكارها وفرض رؤيتها للدين والتاريخ وكل شيء.
 
من جانبه، يلفت باسم قاسم (32 عاماً) في حديثه لوكالة "2 ديسمبر"، إلى أنه فوجئ خلال زيارته الأخيرة لمسقط رأسه في محافظة تعز، بتأثر البعض بأفكار ومعتقدات المليشيا، ويوضح أن هناك شباباً وأطفالاً باتوا يسترسلون في الحديث عن عظمة علي بن أبي طالب وولايته مقابل التقليل من شأن بقية الخلفاء الراشدين، ويخوضون في مناقشة العديد من المسائل الدينية وذلك بشكل يشي بمدى تأثرهم بما ورد في الفكر الحوثي، بالضد من السياق المذهبي، العقائدي والفقهي، الذي استقرت عليه تعز منذ مئات السنين.
 
 انتهاكات واستنساخ
 
انتهجت مليشيا الحوثي القمع والتنكيل والتضييق أساليب ثابتة لها، منها ما خلق أسباب توتر وعنف مستدام ويصعب التعايش معه في حال تم تغيير موازين القوى في المستقبل، وبعضها لم يستثنِ، تحت عناوين أخلاقية، الفنانين والحلاقين ومحلات الأزياء النسائية وصالات الأفراح، وأخرى كانت استهدافات غير مباشرة عبر سياسة الإفقار والحرمان من المرتبات وفرض الإتاوات غير القانونية ومضاعفة ما لها سند قانوني عام كالضرائب والتعريفات الجمركية والرسوم المختلفة والزكاة، إضافة إلى الاستحواذ على المساعدات الإنسانية وتوزيعها على أتباعها وذلك على حساب حرمان المواطنين وإسقاط أسمائهم من قائمة المعونات الإغاثية التي يقدمها المانحون من خلال المنظمات الدولية.
 
إلى ذلك، ترتكب مليشيا الحوثي الإرهابية مختلف الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين دون أي إجراءات تمتّ للدولة ومعايير القانون بِصِلة، وتبطش بالأبرياء لأتفه سبب أو وشاية، بهدف ترويع وترهيب الناس في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
 
يقول الصحفي والمهتم بممارسات بالمليشيا، المدعومة إيرانياً، في مناطق سيطرتها، سامي نعمان لـ"2 ديسمبر"؛ إن المليشيا تعتمد سياسات إجرامية وقمعية وتقوم بالقتل والتشريد والاختطاف والإخفاء القسري والاعتداء المباشر وقطع الطرقات وتقييد حرية التنقل والفرز المجتمعي والسرقة ونهب الأموال والممتلكات واستقطاب الأطفال وتجنيدهم وإرسالهم إلى جبهات القتال.
 
كما تُقدم المليشيا- يضيف نعمان- على اعتقال واختطاف المواطنين من المنازل والنقاط وسجنهم دون محاكمات، وترتكب أشكالًا لا تُعد ولا تحصى من الممارسات الإرهابية، بقصد إذلال الناس وإخضاعهم.
 
وتُضيِّق المليشيا الإرهابية الخناق على السكان بتكميم الأفواه، ومصادرة الحريات الأساسية من إيقاف النشاط الحزبي وكبح جماح الناشطين السياسيين وحظر الفعاليات الدينية والسياسية والثقافية المتعارضة مع فكرها ومشروعها، طبقاً لناشطين سياسيين وسكان محليين.
 
وعسكرت مليشيا الحوثي مظاهر الحياة في مناطق سيطرتها، وكثفت أنشطتها المسلحة ونشرت السلاح وعناصرها المدجّجة به، كما استقطبت القتَلَة وقطاع الطرق واللصوص ووفرت لهم الحماية والسلاح، وأشركتهم في عمليات ترويع المدنيين وتركيعهم وإخضاعهم وإذلالهم وارتكاب الممارسات القمعية والانتهاكات والاعتداءات اليومية. 
 
وذلك جنبًا إلى جنب مع التخلص من معظم الشخصيات الاجتماعية المؤثرة واستبدالهم بأدعياء السلالة؛ فاغتالت وسجنت وهجّرت كل من لم يتقبل فكرها ومعتقدها ولم يتماهَ مع مشروعها أو يعمل لصالحها أو يُذعن لرغباتها.
 
ويرى باحثون أن ارتكاب مليشيا الحوثي للكثير من الانتهاكات وتلاعبها بالأيديولوجية الزيدية بفرض تفسيرها الخاص، يؤكد رغبتها الكبيرة في إعادة استنساخ الإمامة الزيدية الجارودية المتشددة مع تعديلات مقتبسة من التجربة الإيرانية الصفوية بنسختها الخمينية، وتشكيل نظام صارم يتمتع فيه قادتها بالسلطة المطلقة ويكون المدعو عبدالملك الحوثي مرشدها العام وحاكمها الفعلي.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية