تؤيد الدول الإقليمية والولايات المتحدة الأميركية، ودول أوروبا في الاتحاد  وخارجه، الهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة في أبريل الماضي، كما وقفت بكل ثقلها إلى جانب تمديدها مدة شهرين آخرين، وأكدت على ضرورة استمرارها، وعلى أهمية أن تحرز تقدماً في الوقت عينه.
 
إن التقدم الذي يمكن إحرازه، ربما يتحقق بتمديد الهدنة للمرة الثانية، فترة ستة أشهر هذه المرة إذا ما تمكنت الأمم المتحدة- من خلال السيد هانزجروندبرج المبعوث الخاص لسكرتيرها العام من إقناع الجماعة الحوثية بذلك، وهذا احتمال متوقع بالنظر إلى الضغط الدولي الذي يحيط بالجماعة.
 
في الوقت الحالي بدت ردود أفعال الجماعة تجاه مقترح الأمم المتحدة، وضغوط المجتمع الدولي غير مشجعة. خلال الفترة السابقة كانت الجماعة ترفع مستوى سقف مطالبها، وتزيد في أعداد خروقها، وتحركاتها العسكرية، كلما اقتربت نهاية الهدنة.. اليوم يزعم قادة الجماعة أن (حصار الشعب اليمني يعيق تمديد الهدنة).. وأعلن المجلس السياسي الأعلى للجماعة في صنعاء، قبل أيام، أن تجديد الهدنة يتطلب أولاً الفتح الكامل لمطار صنعاء الدولي، وميناء الحديدة، والالتزام بصرف مرتبات كل الموظفين، وبقية الخدمات التي تم قطعها، دون أن تحدد نوعية تلك الخدمات ومتى تم قطعها، ومن تسبب في قطعها.
 
من الناحية العملية لا يوجد حصار، وزالت العوائق أمام دخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة، ورحلات الطيران من وإلى مطار صنعاء، باستثناء عوائق ناجمة عن تطويل فترات الإجراءات التي نجم عنها تأخير الرحلات من مطار صنعاء في نهاية أبريل الماضي، لكن بعد أن قبلت الحكومة الشرعية سفر المواطنين إلى الخارج بالجوازات التي صدرت في صنعاء، تم تسيير 20 رحلة جوية من مطار صنعاء إلى مطار الملكة عالية في العاصمة الأردنية، ورحلتين جويتين من صنعاء إلى القاهرة منذ نهاية الأسبوعين الأولين من الهدنة الأولى حتى اليوم الثاني العشرين من شهر يوليو. 
 
وتدعي الجماعة أن عدد سفن المشتقات التي سُمح لها دخول ميناء الحديدة منذ 2 أبريل إلى يوم 14 يوليو، وصل إلى 22 سفينة من إجمالي ست وثلاثين قضت بها مبادرة الأمم المتحدة بشأن الهدنة، وحسب إفادة المبعوث الخاص هانزجروندبرج فقد دخلت إلى الميناء 26 سفينة خلال الفترة الزمنية 2 أبريل- 21 يوليو، وقال إن مزيداً من سفن الوقود في سبيلها إلى ميناء الحديدة، بعد إتمام الإجراءات، وهي 7 سفن إضافية قال وزير الخارجية في الحكومة الشرعية إن ملفات الإجراءات الخاصة بها قد تم تسليمها لمكتب جروندبرج، ودخلت ميناء الحديدة. 
 
ومن جهة أخرى، تبدو ردود أفعال الجماعة غير مشجعة بالنظر إلى العوائق التي تقوم باصطناعها.. اللقاءات بين الطرفين على أهميتها، وأهمية موضوعاتها، وحاجة كلا الطرفين إليها لإيجاد تعاون وتنسيق من أجل نجاح الهدنة، وتمهيد الطريق إلى مشاورات برعاية الأمم المتحدة للوصول إلى اتفاق سلام، تنتهي دون نتائج إيجابية، أو تنهار بسبب تصلب ممثلي الجماعة.
 
يتمثل العائق الرئيس في عدم الالتزام ببنود الهدنة بما في ذلك البند الأخير، فتنقُّل المواطنين بين المحافظات، أصبح أمراً شاقاً ومكْلِفاً، إضافة إلى وجود مخاطر، وما يزال الحصار على مدينة تعز مستمراً، ولا تزال الطرق المؤدية إلى المدينة مقفلة من جهة الجماعة، وكذلك هو الحال بالنسبة للطرق التي تربط بين تعز وغيرها من المحافظات.
 
هناك أيضاً الخروق، التي تقدر بنحو 50 خرقاً في كل يوم من أيام الهدنة، وتقول الحكومة الشرعية إن هذه الخروق أودت بحياة أكثر من ثمانين جندياً وضابطاً، وإصابة ثلاثمائة وخمسين بجروح.. يشمل خرق الهدنة الهجومات العشوائية على الأحياء السكنية، كما هو الحال في هجوم الثلاثاء الدامي (23 يوليو) على حي الروضة في مدينة تعز، الذي أدى إلى قتل وجرح 13 طفلاً، والهجومات الكبيرة كالهجوم على قرية خبزة بمنطقة قيفة بمحافظة البيضاء.
 
في آخر بيان له تهرَّب مايسمى المجلس السياسي الأعلى من مسؤولية عدم الوفاء بأحد بنود الهدنة، وهو نفس البند الذي نص عليه اتفاق ستكهولم- 2018. قال إنه فتح حساباً خاصاً لدى فرع البنك المركزي بالحديدة وورد إليه إيرادات ميناء الحديدة للإسهام في صرف مرتبات كافة موظفي الدولة، إلا أن الطرف الآخر (الحكومة الشرعية)، والأمم المتحدة، لم يلتزما بسد الفجوة.
 
الرسوم الجمركية والضريبية على المشتقات النفطية التي حملتها السفن إلى ميناء الحديدة خلال الفترة الماضية من عمر الهدنة، تقدر بنحو مائة وخمسة مليارات ريال.. في حقيقة الأمر أن الجماعة لم تكشف ولو لمرة واحدة عن المبلغ المودع لدى البنك.. ويزعم مطلعون أنها تودع بيدها اليمنى بعض إيرادات الميناء في الحساب المذكور، وتسحبها منه باليد اليسرى.
 
أضحت الجماعة الحوثية ترمي بهذه المسؤولية عرض الحكومة الشرعية.. تزعم الجماعة أن هذه الحكومة باعت خلال العامين 2020 - 2021 مشتقات نفطية بقيمة تريليون و300 مليار ريال، وتقول إنه مبلغ يفي بصرف مرتبات موظفي الدولة لفترة 18 شهراً، كما ادعت أن الحكومة باعت في شهر مايو الماضي كمية من النفط الخام تصل قيمتها السوقية إلى أكثر من 180 مليار ريال، وهذا مبلغ يكفي لصرف مرتبات ثلاثة أشهر لموظفي الدولة، حسب ما أفاد به وكالة أنباء مصدر حوثي مسئول.. ذلك يعني أن الجماعة قد أعفت نفسها من تنفيذ التزامات أوجبتها عليها الأمم المتحدة، فهل تقوم بضبط هذه الجماعة؟

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية