سلسلة حلقات تنشرها وكالة 2 ديسمبر، من ملف بعنوان (خرافة الولاية)، وفيما يلي الحلقة الثالثة عشر..

 

ومرة أخرى يمكن تقسيم الاستدلالات الخاصة إلى طائفتين أدلة عامة بأهل بيت النبي، وأدلة مخصوصة بالإمام علي:

 

 

• أدلة عامة بأهل البيت:

 

يكون ملائماً هنا، كذلك، محاولة فهم بعض الألفاظ القرآنية في ضوء القرآن نفسه كمدخل ضروري يساعد على تفكيك التباسات ذات صلة بهذا النوع من الأدلة. وسنتناول لفظين أساسيين هما آل، وأهل. وعلاقتمها بالذرية:

 

- آل: لغوياً تعني آل الرجل أهله وعياله، وأتباعه وأنصاره. باستعراض آيات قرآنية يتكشف المقصود القرآني باللفظة.

 

يقول تعالى:

 

" وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ" البقرة 49، الأعراف 141.

 

"وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ" الأعراف 130.

 

"وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ" غافر 28.

 

" وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ" غافر 46.

 

" أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" النمل 56.

 

" فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً" النساء 54.

 

" يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ" مريم 6.

 

يلاحظ في الآيات السابقة أن لفظة آل تشمل المعنى اللغوي من أهل، وأتباع، أي إمكانية اشتمالها على القرابة العضوية. بيد أن من غير الممكن إسقاط جميع الآيات الواردة فيها لفظة آل، على معنى الأهل بعكس إمكانية إسقاطها في الجميع على معنى الأتباع، أي أتباع النهج والطريقة. فمن الواضح أن آل فرعون ليس المقصود بهم أهله وذريته، بل أتباعه، إذ أن من أتباع فرعون ظاهراً من يكتم إيمانه، فهل يدخل هذا المؤمن ضمن "أدخلوا آل فرعون أشد العذاب". وأيضاً هل يدخل المؤمنون من ذرية فرعون في آية العذاب، ومن الملفت كذلك أن أغلب الآيات المتضمنة لفظة "آل" تشير إلى وحدة الزمان بين الأتباع والمتبوع أو المعاصرة، بمعنى أن آل فرعون هم أتباع فرعون وقت حياته، قال تعالى "وأغرقنا آل فرعون". و"أخرجوا آل لوط".

 

وفي الآية المتعلقة بإبراهيم "آتينا آل إبراهيم" إشارة لخصوصية بني إسرائيل لجهة تماهي الأتباع مع القرابة العضوية، فبني إسرائيل هم أتباع إبراهيم، ويعقوب، وهم ذات الوقت من ذريتهما. وهذا ما تؤيده الحركة التاريخية للدين اليهودي إذ كان بنو إسرائيل هم الأغلبية الساحقة من معتنقي ذلك الدين الذي لم يكن ديناً عالمياً أو تبشيرياً وإنما كان ديناً قومياً.

 

وتنضبط الآية أكثر في مدلولها لو حملت على مفهوم الأتباع لا الذرية سيما في الإشارة إلى الملك العظيم، إذ لو أخذنا بمفهوم الذرية فلم يتسن لبني إسرائيل ملكاً عظيماً إلا لسليمان، حتى ملكه رغم مكوناته الخارقة للعادة من تسخير للريح والجن إلا أنه من حيث رقعة مملكته أرضاً وشعباً لم يتجاوز بعض فلسطين المعروفة الآن ولم يتعد الشعب اليهودي.

 

فيما لو أخذنا الإشارة بمفهوم الأتباع لانضبط المدلول كون الدين اليهودي والمسيحي والإسلامي هي امتدادات لدين إبراهيم، وواقعياً حققت الدولة الرومانية المسيحية واحدة من أعظم الإمبراطوريات في التاريخ وأطولها مدة وكذلك الدولة الإسلامية بعد وفاة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، والدول المسيحية في عصور مختلفة.

 

يؤيد أن مفهوم الأديان السماوية امتداد للدين الإبراهيمي قوله تعالى: " وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ" البقرة 130، وقوله " وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا" البقرة 135، وقوله تعالى: " وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا" النساء 125، وقوله "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لِلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ" آل عمران 68، وقوله "قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا" الآية 161، وقوله " ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا" النحل 123، وقوله " مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ" الحج 78، ومن الواضح أن الأبوة في هذه الآية هي أبوة دينية كون الخطاب موجها للمسلمين بصرف النظر عن أعراقهم. ويؤكد ذلك قوله تعالى على لسان إبراهيم "فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي" إبراهيم 36. وأبوة إبراهيم كأمومة نساء النبي محمد للمؤمنين "وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ" الأحزاب 6.فالأمومة هنا دينية وليست جينية.

 

إذن فالأصل في لفظة "آل" الإتباع مع إمكانية أن يدخل في اللفظة ذوو القرابة العضوية شريطة توفر الإتباع.

 

وأخيراً يلاحظ في لفظة آل أنها لا تسند لغير العاقل حسب ورودها القرآني، كأن يقال "آل البيت" أو "آل القرية".

 

 

الحلقة الثالثة عشر من ملف تنشره  وكالة 2 ديسمبر
لقراءة الحلقة الأولى  "الأسطورة السخيفة
لقراءة الحلقة الثانية "معايير الأفضلية القرآنية
لقراءة الحلقة الثالثة  "ألفاظ التفضيل في القرآن
لقراءة الحلقة الرابعة "تفضيل بني إسرائيل
لقراءة الحلقة الخامسة  "الوراثة والذرية"
لقراءة الحلقة السادسة "وراثة النبوة"
لقراءة الحلقة السابعة "عماد التشيع الفارسي"
لقراءة الحلقة الثامنة "خلافة النبي"
لقراءة الحلقة التاسعة "قصة الخضر"
لقراءة الحلقة العاشرة "يوم السقيفة"
لقراءة الحلقة الحادية عشر "فضائل الإمام علي"
لقراءة الحلقة الثانية عشرة "الأدلة الخاصة للتشيع الفارسي"

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية