في عهد "المسيرة القرآنية" صار كل فساد سبيلا معتادا لأدعياء تمثيل الله والوطن، وبلا استثناءات توحي بوميض حياة في ضمير. مسيرة سبقت كل مسيرات الفساد في أسوأ بلدان العالم فسادا، لا تنافسها في ذلك إلا بلدان كما اليمن وقعت تحت براثن النفوذ الإيراني.
 
بقوة السلاح تحت مسمى "دولة" مارست مليشيا الحوثي على اليمنيين أساليب قديمة وجديدة وأخرى مبتكرة، لفرض الجبايات ونهب الحقوق ثم التهامها في بطون قيادات لا تشبع، بعض الغيض من فيض فسادها قطع المرتبات، وإنشاء صندوق جباية باسم المعلمين، وهيئة نهب باسم الزكاة تفترس ما قسم الله للفقراء والمساكين من حقوق.
 
معلمون بلا خبز
 
في محافظة صنعاء وحدها، تحصلنا على معلومات مؤكدة من مصادر لصيقة، تفيد بحرمان الحوثيين قرابة ألفي معلم من نصف راتب يأتي كل بضعة أشهر، ومن مساعدات نقدية صرفتها اليونيسف مرارا لإنقاذ المنظومة التعليمية من الانهيار الكامل في مناطق سيطرة المليشيا.
 
المصادر قالت إن مليشيا الحوثي اتهمت المعلمين الألفين بالانقطاع عن مزاولة التدريس، ثم قامت عبر قيادات في مكتب التربية بالمحافظة بسحب فتات نقدي من مكتب بريد جامعة صنعاء يأتيهم من مستحقاتهم الموقوفة منذ نحو ست سنوات، في ظاهرة فساد بوزارة يتربع على رأسها المدعو يحيى الحوثي أخو زعيم المليشيا.
 
مثل هؤلاء المعلمين من محافظة صنعاء، وتحت ذريعة الانقطاع عن العمل، يعاني آلاف غيرهم من محافظات أخرى خاضعة لسيطرة المليشيا التابعة لإيران، من الانتهاك لحقوقهم الوظيفية والمالية، ما بين الفصل من الوظيفة وإحلال بدلاء من عناصرها، إلى منع من أي مستحقات مالية. 
 
في سبتمبر العام 2019 أقرت المليشيا الحوثية، في محاولة لامتصاص تذمر المعلمين وملايين من أولياء أمور الطلبة "قانون صندوق دعم المعلم والتعليم"، المتضمن فرض مبالغ مالية على سلع وخدمات عديدة، بينها 1 بالمئة من قيمة كل فاتورة هاتف، و1 بالمئة من الرسوم الجمركية عن كل السلع، وريال عن كل لتر بنزين وديزل وغاز منزلي، وهي مبالغ تعني المليارات شهريا.
 
أهم مبرر حوثي لإنشاء الصندوق كان منح كل معلم حافز شهري قدره 30 ألف ريال (نحو 50 دولارا)، إلا أنه مع قرب الصندوق من إتمام عامه الثالث لم يتلق المعلمون منه سوى دفعات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، من بين أكثر من 30 دفعة مالية مقررة، فطغى جشع "اللُقمة" على امتصاص النقمة "وغلب الطبع التطبع". حسبما وصف معلمون.
 
الركن المسروق
 
أحالت المليشيا الحوثية المعلمين اليمنيين في مناطق سيطرتها إلى لائحة "الفقراء والمساكين" أهم مصارف الزكاة والفئات المستحقة لها، لا سيما وقد قفزت بأرقام العائدات الزكوية إلى أرقام لم تكن تخطر على قلب بشر في اليمن.
 
في مايو 2018 صدر قرار المدعو مهدي المشاط رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى (رئاسة السلطة الحوثية)، بإنشاء "الهيئة العامة للزكاة"، المستحدثة بموجب قانون جديد للزكاة، أثار جدلا واسعا، استصدرته المليشيا من مجلس النواب غير الشرعي في صنعاء.
 
الهيئة الجديدة نقلت الزكاة من صلاحيات الإدارة المحلية إليها، وجعلت التوريد والإنفاق مركزيا، بجانب أنها استحوذت كذلك على مهام ووظائف صندوق الرعاية الاجتماعية، الناشط منذ العام 1996 في تخفيف الأعباء عن الفئات الفقيرة.
 
وفي حين لم تكن العائدات الزكوية تفوق الخمسة مليارات ريال ( ما يعادل 15 مليار ريال حسب أسعار الصرف الراهنة)، فرضت الهيئة الحوثية مبالغ طائلة على المكلفين، تتزايد سنويا، وصلت العام 2020 حوالي 75 مليار ريال، صرف منها فقط 19 مليارا- حسب ما كشف الموالي للمليشيا النائب عبده بشر- وتجاوزت السنة الفائتة الـ 100 مليار، نهبت معظمها.
 
وأكدت مصادر خاصة مطلعة أن قرابة 80 مليار ريال من حاصلات الزكاة "التعسفية" العام الماضي، ذهبت إلى جيوب قادة الحوثيين، بينما يتم الإعلان عن إنفاقها في مشاريع وهمية لمساعدة الفقراء واليتامى والمحتاجين والزواج الجماعي وتسديد ديون الغارمين.
 

لم تكتف المليشيا بهيئة الزكاة، لسرقة الركن الثالث في الإسلام، وإنما – وفقا لذات المصادر- أطلقت يد عناصر من خارج الهيئة لتحصيل الزكاة، وتوريدها، بعد التقاسم، إلى مسؤولين في الهيئة دون المرور بالإجراءات الإدارية المتبعة.
 

وفي السياق أشارت المصادر إلى حالات فساد من القبيل الأخير، منها قيام عنصر حوثي يدعى "أبو محمد" بتحصيل الزكاة في مناطق تابعة لسنحان وبلاد الروس، في محافظة صنعاء، متجاوزا مكاتب الهيئة في مديرية بلاد الروس. مضيفة أن المبالغ المحصّلة من الزكاة تورّد إلى أمين صندوق المحافظة الحوثي المدعو فارس الشامي.
 
هيئة الزكاة، التي استخدمتها مليشيا الحوثي لنهب أموال الناس بالباطل، ركزت جهودها إلى جوار الجباية في الأعمال الدعائية بدلا من الأنشطة التكافلية المنوطة بها، حيث -كدأبها- صمّت الآذان قبل أسبوعين بما أسمته مشروع "رحماء بينهم" بأنها ستنفق خلال المشروع 20 مليار ريال (نحو 33 مليون دولار) على مليون شخص من مستحقي الزكاة، تبين من استقراء عشوائي لبعض القرى والمديريات، أن كثيرا منهم من أسر قتلى المليشيا وأسراها، وجرحى ومعوقين، وأشخاص يقاتلون في صفوفها، وموالين لها. فيما صندوق الرعاية الذي صادرته الهيئة الحوثية، قاربت معوناته النقدية للفقراء والمحتاجين العام 2010 أكثر من 40 مليار ريال (200 مليون دولار) ، كما أظهر تصريح رسمي حينها.

 

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية