سلسلة حلقات تنشرها وكالة 2 ديسمبر، من ملف بعنوان (خرافة الولاية)، وفيما يلي الحلقة التاسعة..

 

ونظرا لمحورية قصة الخضر في الاستنادات الشيعية فسنكتفي بالتطرق إليها أكثر من غيرها.

 

-مقام الإمامة: يتناول الفكر الشيعي الإمامة كصورة من صور النبوة تساويها إن لم تكن تتفوق عليها في الفضل، ويعتبر أن مكانة إبراهيم المتميزة بين الأنبياء تتأتى في أحد معالمها من تفرده بالإمامة عن سائر الأنبياء، يقول تعالى في ذلك "قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا" البقرة 124.وفي تفسير تعسفي للمحورية الدينية للإمامة يتعاطى هذا الفكر مع قوله تعالى "يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ" الإسراء 71، وقوله "وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ" الرعد 7. وفي الصدد يمكن إيراد عدة ملاحظات:

 

العبارتان القرآنيتان الأخيرتان منزوعتين من سياقي آيتين، الأولى توضح أن الإمام المقصود هو كتاب الأعمال "يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ" الإسراء 71. يؤيد ذلك أن لفظة إمام في القرآن كثيرا ما رودت بمعنى الكتاب، يقول تعالى "وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ" يس 12، ويقول "وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً" الأحقاف 12.

 

أما الآية الثانية فسياقها يوضح بجلاء أنها تعني بالهاد الأنبياء، يقول تعالى "إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ" الرعد 7.

 

الإمامة في القرآن يمكن أن تنطبق على أي شخص توافر فيه الصلاح الذي يؤهله لأن يكون قدوة لغيره، يقول تعالى " وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا" الفرقان 14.

 

الإمام يمكن أن يكون نبيا، أو شخصا توافرت فيه مؤهلات القدوة، أو مرجعية منهجية غير مشخصة، ككتاب أو مبادئ، ومن ثم فلا تخصيص لها يخرجها إلى المستوى فوق البشري، أو حصرها في مجموعة جينية.

 

وفي مقام الإمامة كذلك وإمكانية تفوقها على النبوة تأتي قصة الخضر وموسى. وإذا استبعدنا روايات تاريخية ترى أن موسى المقصود ليس موسى بني إسرائيل، فإن القرآن حسم مسألة الأفضلية لموسى بقوله تعالى "قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي" الأعراف 144، والخضر من الناس ولم يرق لمستوى الرسالة والكلام.

 

أما بخصوص نبوة الخضر فيمكن إيراد الملاحظات التالية:

 

أن عبارة "عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا" الكهف 65، تؤشر حسب الاستدلال الشيعي إلى عدم نبوة الخضر، لكنها بالقدر نفسه لا تعني عدم نبوته فهي لا تثبت ولا تنفي، ومع هذا تتعزز إمكانية دلالتها على النبوة من كون لفظة عبد ومشتقاتها وردت كثيرا في القرآن الكريم لتوصيف الأنبياء، يقول تعالى "وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ" الصافات 171، ويقول "وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ" ص 45، ويقول "وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا" البقرة 23.

 

لفظة "رحمة" في قوله تعالى "آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا" الكهف 65، وردت في غير موضع قرآني مرادفة لمعنى النبوة، يقول تعالى في صالح عليه السلام " قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً" هود 63.

 

مما يدل على نبوة الخضر قوله تعالى "وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي" الكهف 82.

 

وهنا تندرج استنادات أخرى في وجهة الاستدلالات الشيعية ممثلة بقضية الوحي وإمكانية إتيانه النبي وغير النبي كما في قصة أم موسى. وبالخصوص يمكن إيراد الملاحظات التالية:

 

ما المانع من كون أم موسى نبية من نبيات بني إسرائيل، فالنص القرآني تحدث عن الرسالات للرجال ولم ينف النبوة المجردة من الرسالة عن النساء.

 

تتعدد صور الوحي الإلهي كما ورد في الآثار ما بين الرؤيا الصالحة واللقاء المباشر مع ملاك مرسل، وحتى الكلام الإلهي شبه المباشر. ويمن أن يأتي الوحي في بعض مظاهره كحالة من الإلهام الإلهي التي يمكن أن تشمل البشر وغير البشر، يقول تعالى "وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ" النحل 68. ويكمن محل الإشكالية في مسألة الوحي الإلهي اليقيني المتضمن الخطاب الإلهي المبين للمراد الإلهي. وفي الصدد أفعال الخضر توحي بتبين المراد الإلهي يقينا من قبل الخضر بما في ذلك الأمر الإلهي بقتل الغلام.

 

إذن فعملية الاستناد على قصة الخضر باعتباره وليا لا نبيا عملية ظنية في أفضل حالاتها لا ترقى إلى حد اعتبارها قاعدة متينة لبناء مقولة الإمامة اليقينية في الفكر الشيعي.

 

-العلم اللدني: اختراع مقولة العلم اللدني لتبرير اصطفاء الأئمة للمعرفة اليقينية بمراد الله مسألة مرتبطة ومتفرعة عن مقولة استمرار الاتصال المباشر بين الله والإمام كفضيلة ربما تتفوق على علاقة الله بالأنبياء القائمة أساسا على وساطة الوحي في معظم الأحوال. ووجه الاستدلال الشيعي أن

 

كلمة "لدنا" تلغي الواسطة بين الله والخضر، وبالمثل بين الله والإمام مع أن هذه اللفظة وفق المصطلح القرآني لا تنفي الاتصال الإلهي البشري عبر واسطة، يقول تعالى في خطابه لنبينا عليه الصلاة والسلام "وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا" طه 99. ومعلوم أن الذكر أو القرآن جاء بواسطة الوحي عبر جبريل، ويقول تعالى "يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا" القصص 57. والرزق يأتي عبر وسائط "يجبى إليه".

 

وبالتالي فلا فضيلة زائدة معتبرة في مسمى العلم اللدني، وفي أفضل حالاته يمكن أن يندرج ضمن الإلهامات التي تحدث لأي إنسان كإلهام نيوتن عند سقوط التفاحة.

 

الحلقة التاسعة من ملف تنشره  وكالة 2 ديسمبر
لقراءة الحلقة الأولى  "الأسطورة السخيفة
لقراءة الحلقة الثانية "معايير الأفضلية القرآنية
لقراءة الحلقة الثالثة  "ألفاظ التفضيل في القرآن
لقراءة الحلقة الرابعة "تفضيل بني إسرائيل
لقراءة الحلقة الخامسة  "الوراثة والذرية"
لقراءة الحلقة السادسة "وراثة النبوة"
لقراءة الحلقة السابعة "عماد التشيع الفارسي"
لقراءة الحلقة الثامنة "خلافة النبي"

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية