حرب الحوثيين تفاقم مأساة "الزواج المبكر" والصغيرات يدفعن ثمنًا باهظًا
على صوت رنة الهاتف استيقظ "معاذ" عند الساعة الثالثة فجرًا يوم ثلاثاء من ديسمبر 2020 ليتفاجأ ببلاغ من مستشفى في صنعاء يفيده بتواجد طفلته "شذى 13 عاما" في قسم الطوارئ، بعد يومين من زواجها من رجلٍ يكبرها بعقدين، كانت الطفلة تعاني من نزيف حاد وقد تركها زوجها هناك وأغلق هاتفه بعد مغادرته المستشفى.
"معاذ" هو اسم مستعار لرجل حقيقي تمكن مراسل "2ديسمبر" من الحديث إليه في هذه القصة، واشترط الرجل عدم ذكر اسمه أو اسم ابنته الضحية والاكتفاء بالإشارة إليهما باسمين مستعارين، حيث أقر الرجل بتزويج طفلته القاصر؛ لكنه أرجع الموافقة إلى "ظروف الحياة الصعبة" على حد قوله.
ولدى وصول معاذ إلى المستشفى وجد طفلته في حالة يرثى لها، وبعد يومين من الرعاية الطبية الفائقة استعادت الطفلة عافيتها تدريجيًا بعد تلك المضاعفات التي مرت بها؛ بينما الرجل الذي تزوج بها أغلق هاتفه وترك الطفلة تواجه مصيرها، ولا يُعرف الآن أين ذهب.
ويسكن معاذ مع زوجته وطفلين في حي عتيق بالعاصمة صنعاء، وهو أساسا نازح في المدينة منذ 2018م، بعد تهجيره وعائلته من قبل الحوثيين من محافظة حجة، وكانت العائلة على وشك الطرد من المنزل الذي تسكنه في منطقة السنينة لعدم قدرتها على سداد الإيجار للمالك على مدى 9 أشهر، إذ يعمل الزوج موظفا حكوميا ولا يتسلم راتبه منذ سنوات.
وقال الأب لـ "2ديسمبر" إن طفلته شذى الآن قد عادت معه إلى المنزل ولم يتواصل زوجها معهم منذ أن تركها في المستشفى؛ معبرًا عن أسفه لقبول صفقة الزواج المُرّة، ومُرجعًا ذلك إلى "ظروف صعبة أجبرتني على قبول تزويجها بهذا الرجل مع الأسف".
وأشار والد الطفلة إلى أن الزواج تم في غضون أسبوع بعد أن تقدم الرجل الذي أغراه بمبلغ مالي اعتقد الأب أنه سيمكنه من سد احتياجات أسرته، أما الطفلة فقد تم إقناعها بيسر عندما اُخبرت أنها ستعيش وضعًا مُستقرًا لباقي حياتها وتودع ظروف العوز والفقر.
تحدثت شذى وكانت العبرات تخنقها، إذ قالت لـ "2ديسمبر" إنها نادمة أشد الندم على القبول بالزواج؛ مضيفةً: "قال لي زوجي إنه سيعيشني ملكة وبعدين خذلني وخذل أبي وهرب، اليوم احنا مافي بيدنا شيء نعمله وما نقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل، وأبي دائما أشوفه يبكي لأنه قبل يزوجني به".
وبحسب معاذ، فإنه نزح عام 2018 من محافظة حجة بعد سقوط قذائف في الحي الذي يسكنه واقتراب المواجهات من منطقة سكنهم؛ موضحًا أنه نزح إلى أكثر من منطقة واستقر في الأخير بصنعاء بعد رحلة شاقة وهنالك عمل بالأجر اليومي في مجال البناء بعد أن استقر في منزل ضيق يتكون من غرفة وصالة صغيرة ومطبخ مكشوف.
لم تكن شذى الضحية الأولى ولن تكون الأخيرة بسبب إفرازات الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثي، عوضا عن تستر الأخيرة على مثل هكذا قضايا أخذت بالانتشار خلال الفترة الماضية بسبب العوز والفقر ولجوء الكثير من الآباء إلى تزويج بناتهم ظنًا منهم أن الزواج قد يجنبهن الحياة الشاقة في ظل الفقر والفاقة، ويُكتب لهن مستقبل مُستقر.
وضاعفت الحرب التي تشنها المليشيا الحوثية نسبة الزواج المبكر في المجتمع اليمني، خاصة مع النزوح والتشريد والظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة، اذ لعب العامل الاقتصادي واتساع دائرة الفقر الدور الأبرز في انتعاش زواج الصغيرات.
وأصدرت مجموعة عمل تابعة لمجلس الأمن الدولي مؤخرا بيانا أكدت فيه أن استمرار الحرب في اليمن هو أحد الدوافع الرئيسية التي تسهم في ارتفاع أعداد زواج الأطفال.
ووفقا لإحصاء صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" في 11 فبراير 2019، تشكل نسبة زواج القاصرات نحو 21% من عدد الفتيات، وتتزوج سنويا 12 مليون فتاة دون سن 18 سنة. وتصف "اليونيسف" أي زواج يحصل قبل سن 18 على أنه انتهاك لحقوق الإنسان. وحذرت المنظمة في بيانها من أن أكثر من 150 مليون فتاة أخرى سيتزوجن قبل بلوغ الثامنة عشرة بحلول عام 2030، في حال عدم الإسراع بمعالجة هذا الموضوع.
وأكدت دراسة مسحية محلية ارتفاع عدد حالات الزواج المبكر في المحافظات التي تستضيف أعداداً كبيرة من النازحين، بخاصة محافظات "الحديدة، حجة، اب". وقد توصلت الدراسة إلى أن 72.5% من أفراد العينة تزوجن قبل بلوغهن سن الـ18، في حين أن 44.5% تزوجن في سن الـ15، وأكثر من 66% من العينة تزوجن بسبب تصاعد النزاع.
وحسب تقرير للمركز الدولي للدراسات، حلت اليمن في المرتبة 13 من بين أسوأ 20 دولة في زواج القاصرات، وتصل نسبة الفتيات اللاتي يتزوجن دون الثامنة عشرة إلى 48.4%، بجانب الفجوة بين الزوجة وزوجها.