حصار معيشي صنعه الحوثيون يدفع أطفالًا ونساء للتسوّل في شوارع صنعاء
يستيقظُ الأطفال في الصباح الباكر عادة للذهاب إلى المدارس؛ لكن أمجد ذو التسعة أعوام يستيقظ ليواجه واقعا مختلفا تماما في شوارع العاصمة صنعاء التي وصفتها مؤخرا إحدى المجلات الإسبانية بأنها رابع أسوأ مدينة في العالم غير صالحة للعيش.
ظروف الحياة البائسة صنعت من أمجد طفلا شقيا، يستيقظ في كل صباحاته للذهاب إلى التسول على أمل أن يلتقط من جود الآخرين ما يفي بشراء قوت أسرته بعد أن توفي والده في إحدى جبهات القتال مع المليشيا الحوثية.
تقول والدة أمجد المُقعدة في منزلها جراء مرض عضال والدموع تغمر عينيها، إنها تسمح مرغمةً لطفلها بالذهاب للشارع وهي تعلم أنه مكان محفوف بشتى المخاطر، إذ امتلأ وجهه بالخدوش والجروح جراء الاعتداءات المتكررة التي يتعرض لها يوميا من قبل المتسولين أمثاله في الصراع من أجل البقاء.
تقول الأم إن المليشيا الحوثية وعدت بتقديم وجبات شهرية ومبالغ مالية منتظمة لها؛ لكن ذلك كان مجرد وعود لا أكثر يوم تشييع زوجها القتيل؛ مشيرة إلى أن طفلها غالبا ما يعود للمنزل في وقت متأخر من الليل بما جمعه من فاعلي الخير وقد أرهقه التعب.
وتعرضت الأم قبل زهاء عامين لضرر بالعمود الفقري بعد أن سقطت من أعالي درج في إحدى العيادات التي كانت تشتغل فيها كعاملة نظافة، وهي اليوم غير قادرة على مساعدة طفلها في شيء، بل على العكس يتكفل هو بكل شيء في مساعدتها على تخطي أزمات الحياة المتلاحقة.
بدوره قال أمجد، إنه يتمنى أن يذهب للدراسة كأقرانه وأن يرتدي الزي المدرسي بل ويشاركهم الحديث واللعب، بيد أنه وجد نفسه مجبرًا على التسول ليوفر لقمة عيش أهله، وأثناء حديثنا مع أمجد حيث يعيش في كوخ صغير بحي شعبي بصنعاء، أشار لنا إلى إحدى البيوت وقال " أتمنى أن يكون لدينا بيت كهذا أنا وإخوتي"؛ ولكن بما أنني لا أدرس فلن أستطيع أن أحلم بشيء.
فاطمة، أرملة لديها ابن واحد ولكنه اختفى بين ليلة وضحاها، وبعد أن باعت كل ما لديها للبحث عنه اكتشفت بأنه في أحد سجون المليشيا الحوثية التي احتجزته بحجة معارضته لأفكار الجماعة.
بعد أن فقدت فاطمة كل ما بيدها وأصبحت عاجزة عن الحصول على لقمة العيش بينما ابنها مغيب في سجون المليشيا، اتخذت من جولة القادسية في أحد شوارع صنعاء ملاذًا لها حيث اعتادت على التسول هناك وطلب المال من ركاب الباصات والمارة لتجمع ما يمكنها من سد رمقها به.
تقول فاطمة: بالرغم من أنني امرأة خمسينية لكن لا أسلم من المضايقات اليومية ليس هذا فحسب بل أنني تفاجأت بوجود لجنة من الحوثيين تطلب مني دفع ٢٠٠ ريال يوميا مقابل السماح لي بطلب المساعدة من الناس وتم تهديدي عندما رفضت بأنه لن يسمح لي مجددا بالوقوف هنا.
وبات أكثر من 79% من السكان اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر المدقع، بينما يُصنف 65% منهم على أنهم فقراء جداً، بحسب دراسة صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أكتوبر 2019، وهو ما يجعل توسع ظاهرة التسول أمراً بديهياً في ظل وضع كارثي كهذا.
ومنذ سيطرة المليشيا الحوثية على العاصمة صنعاء وقطعها لرواتب الموظفين والانهيار الاقتصادي الذي يعيشه اليمنيون، تضاعف عدد المتسولين في كل أنحاء المدن، حيث يرجح مختصون في الشؤون الاجتماعية أن يبلغ العدد الكلي للمتسولين حالياً في اليمن نحو مليوني ونصف المليون متسول، قياساً على دراسة محلية صادرة عام 2017، أكدت وجود مليون ونصف المليون شخص يتسولون في البلاد، أغلبهم حديثو العهد أجبرتهم الفاقة والفقر على التسول.