عملت مليشيا الحوثي منذ بروزها عسكريا العام 2004، ثم تمددها على ظهر الخلافات السياسية في 2011، على تمزيق النسيج الاجتماعي والثقافي اليمني، لينتهي بها المطاف إلى غربلة سلالية وطائفية وجهوية استبعدت خلالها معظم اليمنيين لصالح قلة قليلة، دون أن تستثني من عمليات الإقصاء والإهمال المنخدعين الذين انخرطوا في خرافاتها وقدموا تضحيات في سبيل مشروعها التمييزي.
 
بالأمس، حاول مئات من المعاقين جراء إصابات في قتالهم بصفوف المليشيا، قطع الطريق في ميدان السبعين، أكبر ميادين العاصمة صنعاء، احتجاجا على إهمال المليشيا لهم ورميهم في مستنقع الحاجة والعوز، بعد أن استهلكتهم في حربها على اليمنيين.
 
تعترف المليشيا الحوثية التابعة لإيران بأن لديها 7 آلاف من معاقي "الجيش واللجان الشعبية" على الأقل، حتى منتصف العام الماضي، وتتباهى بين فترة وأخرى بمنحهم مساعدات نقدية وعينية عبر هيئة الزكاة التي استحدثتها، مجموعها في مرة من المرات قرابة 17 ألف ريال لكل واحد منهم، و50 ألف ريال في مايو الفائت.
 
ويتلقى المعاقون وأسر القتلى الحوثيين من قيادات المليشيا مساعدات غير منتظمة، تقل معظم الأحيان عن 30 ألف ريال، وفي حال افتراض انتظامها شهريا فلن تكلف مساعدة معاقي الحرب الحوثية خزينة المليشيا سوى مليارين ونصف المليار ريال أو ما يعادل 4 ملايين و200 ألف دولار سنويا حسب أسعار الصرف في مناطق سيطرتها، وهو مبلغ يمثل نسبة ضئيلة من إيرادات هيئة الزكاة البالغة 75 مليار ريال وفق نشرتها العام المنصرم، أي أكثر قليلا من 3 بالمئة من تلك الإيرادات، أو خُمس الواحد بالمئة من عائدات المليشيا العام 2019 حسب ما ذكر تقرير الخبراء الأممي.
 
يزداد الأمر سوءً مع نهب مليشيا الحوثي موارد صندوق رعاية وتأهيل المعاقين، حيث سبق أن صرح مسؤول مالي في الاتحاد الوطني لجمعيات المعاقين فؤاد الشرجبي بقوله إن "كل إيرادات الصندوق تم تحويلها إلى دعم الجبهات تحت بند دعم المجهود الحربي وتجهيز قوافل غذائية دعماً لمجاميع المليشيا الحوثية».
 
كانت تلك الصورة العامة لوضع المعاقين من جرحى الحرب الحوثيين إلا أن داخل الصورة المعتمة لمصير المنخرطين معها إجمالا تقبع حالة التقسيم ذات المستويات المتعددة بين عناصر المليشيا نفسها.
 
 وفي الصدد، أحد المراقبين للمشهد الحوثي، رفض الكشف عن هويته، قال إن وسط المعاقين الحوثيين كما هو بين القتلى والجرحى والأسرى تبرز العملية التمييزية التي تعممها المليشيا على المجتمع اليمني وتنفذها داخل تنظيمها كذلك.
 
وأضاف أن التقسيم الحوثي يبدأ في مستوى التفريق بين المنتمين للمليشيا على أساس مناطقي إذ يتربع المنتسبون إليها من محافظة صعدة، معقلها ومنطلقها الأول، في قمة الهرم، بما يمكن اعتبارهم "حوثيو الدرجة الأولى"، وداخل هذه المجموعة التمايز بين أدعياء الانتساب السلالي العنصري المزعوم للنبي وبين بقية العناصر، ناهيك عن مواطني صعدة غير المنخرطين لها والتي يصنفون كمنافقين، ثم يأتي التمايز بين الأسر السلالية المزعومة التي تقع في قمتها الأسرة الحوثية.
 
وواصل مراقب الشأن الحوثي: مستوى آخر يستند على التصنيف الطائفي للمنتسبين، بين القادمين من المذهب الزيدي ومن المذاهب الأخرى الموجودة في اليمن، وداخل الزيدية بين المتطرفين "الجاروديين" والمعتدلين، وفي الجاردويين بين المعتنقين بشكل كبير للتعديلات النظرية الحوثية المستقاة من الصفوية الإيرانية، وبين غيرهم.
 
ومستوى ثالث من التفريق بين العناصر الحوثية، يأتي بين السلاليين المزعومين من محافظة صعدة وإلى حد ما حجة وبين من يعرفون شعبيا بـ "هاشميي الطيرمانات" في صنعاء وذمار، وبين جميعهم و"هاشميي" المناطق اليمنية الأخرى.
 
ونوه المراقب إلى أن التفرقة الحوثية بين عناصرها ظهرت في سلوكيات عديدة للمليشيا، ذاكرا من بينها أن إحصائيات القتلى المعلن عنهم خلال العام الفائت والجاري تبين أن نسبتهم من محافظة صعدة تدور حول 10 بالمئة، ومن أدعياء السلالة بين 5-10 بالمئة، فيما الغالبية العظمى من خارجها ومن أبناء القبائل، التي تحضّرهم المليشيا في المغرم وتقصيهم عن المغنم.
 
وقال إن التمايز عكس نفسه كذلك في الموارد المالية، بظهور أثرياء في الوسط الحوثي يتميزون بكامل الرعاية يقابلهم مستخدَمون، مثل المعاقين وأسر القتلى والأسرى من خارج دائرة "الصفوة" الحوثية، سرعان ما تتخلى المليشيا عنهم ليلقوا مصيرهم بعد أن تستنزفهم في قتالها.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية