ظاهرة قتل الوالدين في الوسط الحوثي.."الولاء والبراء" طائفياً ذخيرة المتطرفين لحصد اليمنيين
في مختلف بلدان العالم بصرف النظر عن منظومتها القيمية تتخلل المجتمعات جرائم متنوعة بينها القتل، واليمن ليست بدعا منها، إلا أن ظاهرة غريبة على اليمنيين والمجتمعات الإنسانية عموما تفشت في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، وأبطالها عناصر في هذه المليشيا، هي ظاهرة قتل الأقارب وعلى رأسهم الوالدان، ويرى متخصصون اجتماعيون أن الخلل ناجم عن زراعة وتربية العُقد لدى عناصر المليشيا وإحاطتها بإطار ديني قوامه عقيدة "الولاء والبراء" إضافة لعوامل ذات صلة بالموروث الثقافي.
الوالدان ضحايا التعبئة
تجتهد مليشيا الحوثي في اكتساب ولاء من تستقطبهم بغرس الكراهية لمحيطهم الاجتماعي، في وقت تطالبهم، صراحة أو ضمنا، بإثبات التعبئة النظرية بسلوكيات عملية يعززها تمجيد العنف والقتل على أنه "جهاد" لإضفاء شرعية دينية على جرائمها، فكانت الثمرة الرديئة أن قضى ما يقارب 300 ألف يمني نحبه، نتيجة الحرب التي أشعلتها المليشيا.
وتفشى جراء التعبئة الخاطئة ارتكاب عناصر المليشيا جرائم القتل بدم أبرد من الثلج، آخرها أمس السبت، بإقدام من قال ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إنه موظف تحريات في البحث الجنائي ينتمي للمليشيا يدعى حامد الصباح ومعه مجموعة من أسرته بينهم عصام الصباح على قتل خمسة من أسرة واحدة من بيت النجار فيهم طفل ابن تسعة أعوام، بسبب خلاف على قطعة أرض في جبل صعصعة بمحافظة حجة، شمال غرب اليمن.
تعبئة العداء الحوثية امتدت حتى إلى الأقارب والوالدين لتتحول جرائم قتلهم إلى جزء من الحياة اليومية للحوثيين في مناطق سيطرتهم، حيث كشفت مصادر محلية عن قتل مسلح حوثي يدعى وليد أحمد محمد عز الدين على قتل والدته لطيفة محمد علي عز الدين بطلقتين ناريتين من بندقيته، صبيحة يوم عرفة، الاثنين الماضي بعد فشله في قتل والده الذي صوب نحوه ثلاث عشرة رصاصة أخطأت هدفها، وعند خروج والدته لمنعه وجه بندقيته نحوها.
قبلها بيوم، لكن في مديرية حفاش بمحافظة المحويت، قتل الحوثي محمد علي الحرازي والديه، قبل إفطارهما من صيام تطوع قبيل أذان المغرب.
سلسلة طويلة من الجرائم المشابهة، أبطالها عناصر حوثية، من بينها إطلاق مسلح حوثي النار على والده ليرديه قتيلا أواخر يونيو الفائت في مديرية ريف إب في محافظة إب وسط اليمن، وهي من المحافظات ذات الميول السلمية، وأرجعت مصادر السبب إلى رفض الأب دفع مبالغ مالية له.
وفي يونيو العام المنصرم، بمحافظة تعز وتحديدا في مديرية "شرعب السلام" قتل عنصر حوثي والديه وأخته الكبرى وأخاه وامرأة أخرى فيما أصاب شقيقتين له بجروح خطيرة.
وهناك أيضا، في يوليو العام 2019، أقدم العنصر الحوثي المدعو سليم صدام الحاج، إثر خلاف بسيط على طعن أمه بالسكين، وعندما حاول والده وأخوه منعه جرحهما بعدة طعنات، وكانت النتيجة قتل الأم وإصابة الأب والشقيق بجروح خطيرة. وذلك عقب عودته من معسكر للمليشيا الحوثية تلقى فيه دورة طائفية وقتالية.
وأثناء صلاة الجمعة، أودت رصاصات القيادي الحوثي المدعو إبراهيم عبدالله أبو حرب، بحياة والدته زهور صالح مارش، بمديرية أرحب التابعة لمحافظة صنعاء، في أكتوبر 2019.
في ذات الشهر وإلى الشمال منها، شاب حوثي في مديرية عيال يزيد بمحافظة عمران عاد بتضخمه الطائفي العنفي من إحدى جبهات القتال الحوثية ليطالب شقيقته المطلقة بالتبرع بحليها الذهبية للمجهود الحربي للمليشيا التابعة لإيران، فلما رفضت وتدخل الأب دحان علي دخان الجلال والأم لفض الشجار، ألقى ابنه بقنبلة تمكن الوالد من رميها خارج المنزل، فما كان من الحوثي إلا مباشرة شقيقته ووالدته بإطلاق الرصاص لتفارقا الحياة على الفور.
نهج المغالطة الدينية
أكاديمي في الدراسات الإسلامية، فضل عدم ذكر اسمه، سألناه عن العوامل الكامنة وراء تفشي ظاهرة قتل الأقارب والوالدين في مناطق المليشيا الحوثية، قال: إننا باستطاعتنا النظر إليها من زاوية علم الاجتماع، ومع ذلك هناك عوامل مباشرة تتعلق بطريقة وغايات بناء الشخصية الحوثية، أهمها في رأيي زرع عقيدة الولاء والبراء وفق التوجيه الحوثي.
وشرح، قائلا: إن هذه العقيدة ليست جديدة فقد عمل فقهاء ورجال دين وباحثين مسلمين، قديما وحديثا، على تناولها وتفصيلها والتأكيد على أهميتها في " تعزيز تماسك المجتمع المسلم، والحفاظ على هويته الثقافية والسياسية"، وهي تعني باختصار الولاء للمسلمين والعداء لغيرهم، وتتدرج من مجرد المحبة والبغض إلى النصرة والتبعية والمعاداة والقتال.
وأردف المتخصص الديني، بأن القرآن الكريم أسس للتعامل السلمي سواء مع بقية المسلمين أو مع غيرهم، كقاعدة، بينما جعل ترجمة عقيدة البراء في أعلى مستوياتها، أي القتال، استثناء مرهونا بشروط في مقدمتها الوضع الدفاعي وربطه بالعداء الصادر من الآخر، حيث قرر أحقية أي إنسان في اعتناق الديانة التي يرتئيها بل وحتى أن يتدين بديانة فاسدة" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".
وتابع: ما حدث بالنسبة لمليشيا الحوثي وغيرها من التنظيمات المتطرفة كالقاعدة وداعش، أنها تناست الأصل الإنساني في التعاطي البشري- البشري حسب التعاليم الأساسية للإسلام، واستندت إلى أدلة من الكتاب والسنة بصورة تجزيئية لا تعتبر القرآن والإسلام منظومة واحدة لا تناقض داخلها. مشيرا إلى أن هذا النهج ممقوت قرآنيا "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض".
ونبه إلى أن المليشيا والتنظيمات المشابهة لها تتفق في نهج الاستدلال وإن افترقت في الزاوية المذهبية التي تنطلق منها، وذلك بإعادة إسقاط ما تعتقده من أدلة الولاء والبراء على الطائفة، فالولاء لها والبراء من بقية الطوائف، وهذا ما يجعل مقاصلها وعنفها يتجه إلى الداخل الإسلامي بشكل يكاد يكون مطلقا.
وضرب مثلا بخصوص الظاهرة المنتشرة حوثيا، بالإشارة إلى أن من استدلالات الولاء والبراء قوله تعالى" قد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده"، وقوله "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين". موضحا: الحوثيون وأشباههم ينزعون هذه الاستدلالات عن بقية السياق القرآني من حيث إدراجها في دائرة العلاقات البشرية، كأصل تجريم سفك الدماء البشرية عموما، كما تنقلها من إطارها كعلاقات اجتماعية سلبية مثل المقاطعة الاجتماعية إلى علاقات عداء قتالي وعسكري مادي، متغافلين عن تناول القرآن في قوله تعالى "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم"، غير ما يتمتع به وضع الوالدين من خصوصية وعناية قصوى جعل آيات قرآنية تقرن طاعتهما بالتوحيد وتحض على عدم عصيانهما ولو بأبسط الكلمات "أف". أما الآية الثانية كما أضاف فهي تتحدث عن مشاعر نفسية لا عن عداء وبغض يرتفع إلى درجة أن الإنسان قد يقتل قريبه أو والديه.
ظاهرة جاءت من "برَكات" العهد الحوثي فأصبح الرجل يعادي أقاربه ووالديه ويرتكب بحقهم جريمة القتل فقط لأنهم لا يؤمنون بصنمه المهترئ المدعو عبدالملك الحوثي.