مذبحة ساحل الغويرق.. "وكالة 2 ديسمبر" تلتقي المصابين وأقارب الضحايا
في قرية "الغُويرق" الواقعة على حافة البحر، أسفل ميناء الحيمة العسكري على الخط الواصل بين مدينة الخوخة والحديدة، سُمع عويل نساءٍ عندما كان فريقُ "وكالة 2 ديسمبر" يزور القرية للوقوف عن كثب على الجريمة التي أوقعت مدنيين بين قتيل وجريح إثر تعرضهم لانفجار لغم بحري في شاطئ القرية.
يختلف حجم الألم بين من سردوا تفاصيل الواقعة باختلاف حجم الخسائر، فبعض الصبية المسكونين في أجسادهم بشظايا اللغم البحري يشعرون بالخوف وهم يسردون ما حدث، أما يحيى عنتر الذي خسر ابنته عواضة في الحادثة فكان الدمع يسبق حديثه لجسامة الخسارة التي لاقاها من مليشيات الإرهاب.
عواضة شابةٌ يافعة، وهي من أجود فتيات القرية مروءة وكرما كما يصفها أحدهم خلال حديثه، تعرضت لشظية في الجانب الأيمن من الصدر اخترقته وخرجت من ظهرها.. يقول والدها باكياً: "دخلت الشظية من هنا (يشير إلى يمين صدره) وخرجت من ظهرها.. كانت تحمل ابنتها في حضنها ولما (وعندما) ماتت كانت الطفلة تبكي وهي مش عارف (لا تدري) أن أمها ماتت".. سقطت عواضة على الرمل ونزفت الدماء منها حتى فارقت الحياة، وبصعوبة أخذ الأهالي ابنتها ذات الثلاثة أعوام وهي تتشبث بجثمان والدتها، إلى المنزل ملطخة بدماء أمها.
ذهبنا إلى زوج عواضة، على مهدي، والتقيناه عند مسجد القرية، التفت إلينا وبكى فوراً.. قال إن زوجته ذهبت إلى البحر لجلب الوزف (اسماك صغيرة) لتحضير وجبة الغداء، وأخذت طفلتها الوحيدة معها، وعادت بلا روح، طلبنا منه الحديث أكثر لكن البكاء غلبه فدخل المسجد ولم نشاهده بعد.
لم تكن عواضة وحدها ضحية الحادثة، فثمة قتيل آخر و12جريحا، من بينهم إسماعيل شربي ذو السادسة من العمر، والذي تسكن شظية تحت طبقة الجلد في الجنب الأيسر من صدره، ويحمل إسماعيل حزناً مركباً إذ إنه كان قد فقد أمه وجنينها بانفجار لغم أرضي قبل أشهر حينما كانت في المرعى مع غنمها، وهذه الحادثة جددت له ألم فراق أمه التي قال عنها ‘‘يا ليت ترجع أمي معنا‘‘.
عند الصباح، كان قارب محمد عنتر جباحي يتهيأ لأخذ مجموعة من الصيادين في رحلة صيد بالبحر، وكان قرابة 80 فرداً يتواجدون أمام القارب في الساحل ثلاثة منهم على متنه هم محمد عنتر جباحي ونجله وشخص آخر يحضرون شباك الصيد، وكان جسم غريب يطفو على الماء "يشبه دبة الغاز ويحمله الموج إلى الساحل" بحسب شهادات السكان. لقد رأى بعض الصبية اللغم يُسحب عبر الموج نحوهم لكنهم لم يدركوا أنه لغم آتٍ لقتلهم، وبعد قليل من الوقت اصطدم اللغم بحجرة على الشاطئ فانفجر وأوقع الكارثة.
يعيل محمد عنتر أسرة مكونة من 8 أفراد 6 منهم أطفال، ويتيح قاربه لكل سكان القرية الدخول إلى البحر وجلب الأسماك لتذليل صعاب العيش، إلا أنه بتدمير القارب في الحادثة لم يعد سكان القرية قادرون على الإبحار ومواجهة قسوة الحياة.
خلال زيارتنا للمسن جبيحي عنتر وهو شخص آخر من المصابين أتى إلينا والد الضحية عواضة بحفيدته لابنه، سعيدة، ليرينا كيف تنزف الدماء من صدرها نتيجة مجموعة من الشظايا التي ما تزال مستقرة في جسدها، وبطلب الحديث إلى صفية سُمح لنا لكنها عجزت عن الوصف ولخصت حديثها بالتعبير عما تعانيه من ألم في صدرها الممزق.
فقد جبيحي عنتر السمع تماماً لشدة الانفجار الذي سمعه وبه كم كبير من الشظايا سكنت جسده لكونه كان قريباً من مكان الانفجار، أما محمد عنتر فشج رأسه من أعلى الأذن بشظية أثرت على عظمة الجمجمة وأصيب في يديه وأجزاء أخرى من جسده، ولا يستطيع الحديث إلا النبس ببعض الكلمات عند الضرورة.
عند مغادرتنا القرية، لاحظنا علي مهدي (زوج الضحية) يجثو على قبر زوجته ويرفع كفيه إلى السماء، لم يكن المشهد يتيح لنا تصوير رجل يحترق ألما على زوجته، رآنا ونحن نغادر ولوح لنا سلاماً ممتلئ بالغصة والألم واستمر هناك، وكنا نرغب في الذهاب إلى حيث دفن الضحايا لكن الفريق رأى ألا نؤذي مشاعر مهدي، فختمت رحلة الألم هنا.