تصدر المحكمة الدولية في لاهاي، الثلاثاء، قرارها النهائي بخصوص الاستئناف الذي تقدم به القائد العسكري السابق لجيش صرب البوسنة راتكو ملاديتش، وذلك على خلفية على إدانته بالإبادة في مجزرة سريبرينيتسا، عام 1995.

ومن المتوقع أن تقف خارج المحكمة أمهات نحو 8 آلاف من ضحايا المجزرة التاريخية التي تسببت في مشهد دموي هو الأسوأ، منذ الحرب العالمية الثانية.

وقالت رئيسة رابطة "أمهات سريبرينيتسا" منيرة سوباسيتش: "سنتوجه إلى لاهاي للتحديق مجددا في عيني الجلاد، بينما يصدر الحكم النهائي بحقه".

وبحسب المدعي العام للمحكمة سيرج برامرتس، فإنه يشعر بـ"تفاؤل حذر" حيال القرار، وأضاف: "غير قادر على تخيل نتيجة عكس تثبيت الحكم".

وبقي ملاديتش قرابة العشرة أعوام هاربا، حتى قبض عليه عام 2011، بينما أدين من قبل القضاء بتهمة "الإبادة" في مجزرة "سريبرينيتسا"، ومن ثم، ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أثناء حرب البوسنة، فضلا عن الوقوف وراء حملات "تطهير عرقي".

وتسببت حرب البلقان التي كانت في الفترة بين عامي 1992و1995، بمقتل نحو 100 ألف شخص، بينما نزح 2.2 مليون.

وفي حديثه لـ"سكاي نيوز عربية"، يقول المحلل الروسي دينيس كوركودينوف إن ممارسات القائد السابق لجيش صرب البوسنة، راتكو ملاديتش، تسببت في "الإبادة الجماعية للمسلمين البوسنيين في سريبرينيتسا؛ وفي هذا الصدد، فإن إقرار محكمة لاهاي له عقوبة السجن المؤبد سيكون أمر منطقي تماما".

ويرى كوركودينوف أن الحكم الصادر ضد ملاديتش هو الأخير في سلسلة الأحكام الصادرة ضد كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين في السلطات الصربية في البوسنة والهرسك (القضية الأخيرة المعروضة على محكمة لاهاي هي قضية جوفيتشا ستانيسيتش وفرانكو سيماتوفيتش)، والتي تتصل بالفترة من عام 1992 إلى عام 1995.

وهذا الحادث التاريخ الدموي، يترك أثرا على صربيا الحديثة، إلى حد ما، بحسب المحلل السياسي الروسي، وقد ارتكب ملاديتش جرائم شنيعة بفضل مشاركته في مختلف منظمات المقاومة الصربية في سراييفو وسربرينيتسا ومدن أخرى.

كما تسببت ممارساته في "طرد أو تدمير السكان البوسنيين والكرواتيين من مناطق البوسنة التي طالب صرب البوسنة بحقوقهم فيها، وبمساعدة مباشرة من التشكيلات المسلحة من ملاديتش، في 17 سبتمبر 1991، حيث تم احتلال سد بيروكا على ضفاف نهر سيتينا، وبعد شهر تم تنظيم تطهير عرقي في سكابرنا".

ويشير المحلل السياسي الروسي إلى أنه "من الصعب بما فيه الكفاية إلقاء اللوم على ملاديتش دون الاهتمام بالسياق التاريخي الذي ارتكبت فيه جرائمه، في تاريخ البلقان، غذ إنها كانت "حرب الجميع ضد الجميع" التي اندلعت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

وفي هذا الصدد، فإن راتكو ملاديتش ليس "الأفضل أو الأسوأ"، فقد حدث في الفترة ذاتها أن أحد مؤسسي جيش تحرير كوسوفو هاشم ثاتشي، قد أمر قواته بقتل أكثر من 10 آلاف شخص، كما كان القائد السابق لجيش جمهورية صربسكا وقت ارتكاب جرائمه يتصرف وفقا لأيدولوجيته الشوفينية الوطنية، التي كانت مهيمنة في بلدان البلقان. بيد أن ذلك لا يبرر على أقل تقدير الجرائم التي ارتكبها".

ومن جانبه، يقول مدير مركز خبراء رياليست (النسخة العربية)، وأستاذ في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي، جامعة لوباتشيفسكي الروسية، إن الجميع بالطبع ينتظر القرار الذي سيصدر في الثامن من يونيو بحق راتكو ملاديتش، و لكن في تقديري أنه ستكون هناك صعوبة في إقرار القرار القضائي السابق الذي صدر في عام 2017، ومن المرجع صدور تخفيف لهذه العقوبة التي صدرت بحقه.

ويضيف ل"ـسكاي نيوز عربية" "في عام 2017، حكمت محكمة لاهاي على ملاديتش بالسجن المؤبد بتهمة الإبادة الجماعية في سريبرينيتشا عام 1995، واضطهاد مسلمي البوسنة في جميع أنحاء البلاد، وإرهاب سكان سراييفو بحملة من القصف وهجمات القناصة، واحتجاز قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة كرهائن.

كما أن "الإدانة بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في البلديات الخمس الأخرى في عام 1992 كانت ستؤدي إلى اتهامات بأن المجتمع الدولي فشل في التحرك لوقف إبادة جماعية أطول بكثير. لذلك الحكم اقتصر على الاتهام الخاص بسريبرينيتشا فقط".

ووفقًا لهذا الحكم، فإن هذا يعني أن عملية الإبادة الجماعية استمرت من عام 1992، من بداية الحرب حتى نهاية عام 1995، ويردف: "بذلك ستكون جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وخاصة تلك الموجودة في الميدان أثناء الحرب، مسؤولة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، إذ إنه بموجب هذا الحكم، ستكون صربيا مسؤولة أيضا، لأنه وفقًا لأحكام محكمة لاهاي، كانت صربيا متورطة في نزاع مسلح دولي في البوسنة والهرسك منذ 19 مايو 1992".

وهذا ما يفسر أهمية قيام المجتمع الدولي وصربيا بتقليص الإبادة الجماعية إلى سريبرينيتشا فقط، بحسب الديب، بحيث يبدو، بموجب هذه الأحكام، كما لو كانت سريبرينيتشا انعكاسا لتصعيد العنف، وليس كما يرى جميع المؤرخين إنه "تتويج لعملية الإبادة الجماعية التي بدأت في عام 1992 والتي أطلقت عليها لجنة الأمم المتحدة لتحديد الحقائق بالفعل اسم "إبادة جماعية بطيئة الحركة" في عام 1993، حيث قالت إن الإخفاق في وقف مثل هذه الجرائم في عام 1992 أدى إلى ذروتها في سريبرينيتشا في عام 1995".

وفي جلسات استئناف محاكمة ملاديتش في أغسطس 2020، دعا الدفاع إلى التبرئة من جميع التهم الموجهة إليه. وبدا ستويانوفيتش واثقا من احتمال صدور حكم بالبراءة من تهمة الإبادة الجماعية عام 1992.

لكن سيرج براميرتز، كبير المدعين العامين في الآلية الدولية لتصريف الأعمال المتبقية للمحكمتين الجنائيتين في لاهاي، أعرب عن ثقته في وجود أدلة كافية لإصدار حكم بالإدانة في تهمة عام 1992.

 

 

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية