الحرب بمفهومها الحقيقي ليست بندقية، كذلك المقاومة المسلحة ليست جانبًا وحيدًا من التعاطيات والتناولات، هذه وسائل مصاحبة بحد ذاتها وليست غايات أو أهداف نهائية، وسائل لتطبيع السياسة وفرضها كواقع أخير، المقاومة هنا بمعناها المتقدم والناضج هي مزيج من خيارين متناقضين لقضية واحدة، خيار الوصول لتسوية سياسية عامة بالطرق السلمية مع تقديم ما يلزم من تنازلات، مع خيار الكفاح المسلح والبندقية الضامنة لهذه التسوية على الأرض. 
 
طارق صالح يعيّ ذلك جيدًا، ويعيّ أيضًا أن الحلول الممكنة تأتي دائمًا كنتائج سياسية، بمعنى أن الحرب فرض وضامن للسياسة، وليست تطورًا فيها أو دليلاً على فشلها، هذا ما تدركه حقًا من تحول الرجل إلى الجانب السياسي عبر تأسيسه للمكتب السياسي التابع للمقاومة، أيضًا لتعاطياته بمسئولية مع مخرجات اتفاق ستوكهولم ورؤيته العامة لحل شامل للصراع اليمني.
 
 لا أعتقد أن تحوله للسياسة تغييرًا في نمطية التفكير أو تغيرًا في السلوك أو في الممارسات، بقدر ما هو ممارسة فعلية لوسيلة أخرى ليست أخيرة إلى جانب خيار البندقية، لتعززها وتحميها وتحصّنها وتوسع شعبيتها لدى قطاعات عريضة من الشعب. 
 
هذا ما ستصل إليه أيضًا من متابعتك بجدية للقاء العميد الركن طارق صالح القائد العسكري المعروف، وصاحب الخبرة العسكرية القديمة والحالية، مع رئيس مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ماجد المذحجي، اللقاء الذي كشف كثيرًا من الغموض، وأوضح أمورًا ظلت حبيسة التكهنات والتحليلات.
 
طارق صالح، كان واضحًا جدًا في ردوده على الأسئلة والقضايا المطرحة في المقابلة، بمقدمتها رؤيته للحل الشامل في اليمن، وتقييمه لاتفاق ستوكهولم، ومعارك مأرب، والعلاقة مع بقية تشكيلات القوات المشتركة، ومع السلطة المحلية في تعز، إضافة إلى مسائل متصلة بخروجه من صنعاء بعد حرب ديسمبر 2017، وعلاقته قبلها مع الحوثيين، ومصير شقيقه ونجله لدى سلطة الحوثيين، وموضوعات أخرى تطرقت إليها المقابلة. 
 
بالمجمل، كانت المقابلة في المحصلة تأكيدًا واضحًا بأن الرجل يرى بأن الحرب "أداة أخرى"، أي أنها ليست وسيلة أخيرة عند استنفاد جميع الخيارات المتاحة، فالمواجهات المسلحة التي يخوضها ليست خيارًا عدميًا، بقدر ما هي أداة فعلية عند انسداد أفق الخيارات الأخرى، وكأن البنادق هي ما يفتح مجالاً للخيارات لتأخذ دورها، ففي أعقاب كل مواجهة كانت تفتح بوابات الخيارات السياسية في صورة رؤى جديدة للاتفاق والتفاهم، رؤى تضيق صلاحيتها بفعل تنكر العدوّ لها وصولًا إلى الجولة التالية.
 
إذا كانت المقاومة كأداة أخرى أو إكمالًا للسياسة لا تختلف عن أي مبادرة سياسية أخرى، فلماذا لا تكون مواقفنا تجاه المقاومة حيادية من الناحية الأخلاقية طالما أنها تهدف إلى خدمة السياسة، وإذا كانت السياسة وسيلة مشروعة فإن المقاومة وسيلة مشروعة كذلك، وعليه هي عملية تكامل حقيقي وهذه وفق ما أقرأ رؤية طارق صالح للحل والتفاهم. 
 
هذا من جهة النظرة العامة لمستقبل الحرب وخياراتها القادمة، أيضًا هناك رؤية أخرى لنظرته الخاصة لشكل التوافق السياسي والعسكري مع الشرعية، لا شك أن هذه القضية شكلت تساؤلًا غامضًا وركيزة أساسية لكثير من التخمينات والتخوينات وربما الشائعات، طارق صالح في ردوده على أسئلة المذحجي بخصوص نوعية العلاقة العسكرية مع قيادة الشرعية وتشارك الجبهات معهم، كان واضحًا وواثقًا من قبوله بتشارك الحرب ونقل القوات إلى  الجبهات القريبة والبعيدة بغض النظر عن كل الخلافات المطروحة أو المثارة، قال بالحرف الواحد: القرار ليس بيد طارق صالح في أن يتحرك إلى الجبهة الفلانية أو الجبهة الأخرى، القرار بيد الشرعية. 
 
وهذا بحد ذاته اعتراف واضح بالشرعية وسلطة الرئيس عبدربه منصور هادي، وهو أيضًا تأكيد أمام الشعب أن المخول الحقيقي لمنظومة مواجهة الحوثيين تقع على عاتق الرئيس هادي وحكومته الشرعية، وبقية الفصائل محكومة له ولإرادته وتفاهماته بحسب اللقاءات والاتفاقات بين جميع القوى والتيارات.
 
من ناحية أخرى، إذا كان الخيار المنفرد في التعامل مع الحرب القائمة أثبت فشله تمامًا في ظل تنكر الحوثيين لكافة الاتفاقات الموقعة، جاعلين منها وسيلة أخرى لإتمام إحكام سيطرتهم على الأرض، الأمر الذي ترجمته الأحداث عقب اتفاق ستوكهولم، وأيضًا، إذا كان خيار البندقية منفردًا أنتج على اليمنيين حصارًا عدمياً داميًا، دون تحقيق أهداف سياسية مباشرة.
 
 الحرب المسلحة بمفردها تهدف لتحقيق غاية غير مباشرة، هي تسهيل قبول الطرف الآخر بالتسويات السياسية التي بات يقودها اليوم الوسطاء والمبادرات. لماذا إذن، لا تكون العلاقة الحقيقية بين الخيارات المتاحة والمختلفة بحسب رؤية طارق صالح مبنية على التكامل، لا التنازع، على التوازي، لا التناقض، لصالح تعزيز كل منهم لاتجاه الآخر بما يصبّ في النهاية لمصلحة الوطن واليمنيين؟!
يبقى الأمر تساؤلًا أنتجته إجابات كثيرة عن تساؤلات أكثر.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية