عندما تمر ذكرى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، في الثاني والعشرين من مايو 1990، فإننا نستذكر الانفراجة الديمقراطية المرافقة لها وتعدد قنوات التعبير، والظهور العلني للأحزاب السياسية في إطار من التعايش والقبول بالآخر والاتفاق على قواعد التنافس السلمي، وبالموازاة، نستعرض الخمس السنوات الأخيرة في أجواء من الأسف على مصادرة الحركة الحوثية المتطرفة للتطور السياسي والأشواط التي قطعها اليمنيون خلال عقود في مضمار بناء الدولة على أسس دستورية وقانونية باتجاهات جمهورية ووحدوية وديمقراطية.
 
أكدت الحركة الحوثية ما سبق أن أثبتته تنظيمات دينية متشددة كالقاعدة وداعش، في أن هناك صعوبة بالغة، تقارب الاستحالة، في إمكانية اندماج هذا النوع من الحركات في الحياة السياسية العصرية والعمل طبقا لقوانين الدولة المشروعة بالرضى والقبول الشعبي، وإذا اضطرت إلى التعاطي مع مسارات العصر ومفاهيم الدولة الحديثة، لاعتبارات دولية خارجية، فإنها تقوم بعملية التفاف على الإرادة الشعبية باصطناع قوانين تعبر عن الحاكم وليس المحكوم مثلما عمل نظام ولاية الفقيه الخمينية في إيران.
 
من الضرورات اللازمة للتعايش والاندماج في الشروط السياسية المعاصرة، احترام المشروعية الشعبية المبثوثة والمبلورة في دستور وقوانين والقائمة على معايير موضوعية وعقلانية للتنافس، وهذا بالتحديد ما يضع الحركات الدينية المتشددة في أزمة التعايش مع الِآخر ومع العصر.
 
استغلت الحركة الحوثية المناخ الديمقراطي لدولة الوحدة في تأليف كيان ثقافي مذهبي تحت مسمى "تنظيم الشباب المؤمن" تحول السنوات الأخيرة لتسعينيات القرن الماضي، على يد حسين الحوثي، المبهور بتجربة ولاية الفقيه، والمنخرط باكرا في علاقات مع إيران وحزب الله اللبناني، إلى مليشيا سياسية عسكرية دأبت في التعدي على اختصاصات أصيلة للسلطات الرسمية للدولة وتجاوز الدستور والقوانين، توجتها بستة تمردات، وتمكنت من زيادة قوتها التسليحية بالسيطرة على ألوية عسكرية تتبع المنطقة الشمالية الغربية إبان أزمة 2011، ألحقتها بالاستيلاء على صنعاء وأغلب المحافظات اليمنية، قبل أن تتلقى موجات انكسار في المحافظات الجنوبية العام 2015 والساحل الغربي العام 2018. والحاصل أنها في مراحل نموها ثم سيطرتها اعتمدت القوة سبيلا لتحقيق مآربها في رمي اليمن ضمن الفلك العربي التابع للمشروع الإيراني الطائفي التدميري.
 
سلوكيات المليشيا الحوثية نحو اليمنيين وبالضد من الإرادة الشعبية والدستور والقوانين، التي لا تتذكرها إلا عند تدبيج قرارات تمكين عناصرها من مفاصل الدولة المدنية والعسكرية، تقوم على أساس نظرية ثيوقراطية وعقيدة دينية متطرفة تتركز حول مفهوم الولاية كاصطفاء يستمد شرعيته من إرادة إلهية يمثل الاعتراض عليها رفضا غير مسموح به لهذه الإرادة ومخالفة لأصل من أصول الدين، لتتجاوز بذلك حتى البنيات العقائدية السياسية لتنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين.
 
سؤال بسيط المبنى، عميق المعنى يتعلق بماهية الوضعية الدستورية والقانونية لزعيم المليشيا عبدالملك الحوثي، وعما إذا كان لديه ومليشياته استعداد لترشيحه لرئاسة الجمهورية وفقا للدستور والقوانين الناظمة، بما يحتمه ذلك من تخلٍ عن إيديولوجية الولاية.
 
في الصدد تدور النظرة الحوثية، في حال الاتفاق على تسوية سياسية مع الأطراف الأخرى، حول الفصل بين العمليات السياسية الديمقراطية، بما فيها انتخاب رئيس الجمهورية، وبين "ولي الأمر" بسلطتيه الدينية والسياسية، الروحية والزمنية، حسب نظرية الولاية، العمود الفقري، الذي تقوم عليه المعتقدات السياسية والدينية -الطائفية بحقيقتها - والبنية التنظيمية الفاشية المتمركزة في "الولي الفقيه" صاحب السلطة المطلقة المستمدة من الله، كصيغة إيرانية لنظرية الولاية العامة.
 
يدرك الحوثي وأزلامه ممن يعتقدون بالانتماء السلالي، وخدامهم وعبيدهم من خارج السلالة المزعومة، أن التخلي عن نظرية الولاية تعني الانهيار المعنوي والفكري ثم التنظيمي للمليشيا، ولن يكون خيار التحول لكيان أو حزب سياسي طبيعي وعصري قادر على التعايش السلمي مع الآخر إلا بثمن قيمته اختفاء الحركة الحوثية نفسها.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية