بصرف النظر عما سيؤول إليه إعلان الحكم الذاتي من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فالحدث في حد ذاته يضاف إلى تفككات سياسية وعسكرية وحتى مناطقية في الجبهة المناوئة للجماعة الحوثية، في مجملها تعكس قصورا شديدا في قدرة السلطة المعترف بها دوليا على إدارة الملفات الداخلية والخارجية بما يمنحها قاعدة شعبية واسعة، وروافد سياسية تسند الموقف الدستوري لها بأساس عريض من المشروعية تمكنها من النجاح في المعركة الأم ضد الحوثيين.
 
هناك أخطاء ارتكبت في التعاطي، منذ العام 2012، مع عديد قضايا أهمها استثمار الدعم الشعبي والسياسي الداخلي بجانب محفزات إقليمية ودولية، ربما لم تتلقها أي سلطة يمنية سابقة.
 
من دماج مرورا بعمران ووصولا إلى هيكلة الجيش، في الجوانب العسكرية والأمنية، وفي النواحي السياسية، من مؤتمر الحوار الوطني إلى الأقلمة والدستور واتفاقية السلم والشراكة إلى الارتباك في التعامل المتوازن، وحتى الحازم، مع القوى السياسية والاجتماعية، تعثرت السلطة في ظرف كانت تمثل طوق النجاة للبلد بعد عاصفة أزمة 2011، فتقلصت مساحتها الشعبية إلى حد الانهيار ما كشف العاصمة صنعاء للاقتحام الحوثي وما أعقبه من سقوط المحافظات اليمنية الواحدة تلو الأخرى، وشل يد السلطة ووضع رموزها قيد الإقامة الجبرية.
 
تدخل التحالف العربي، فظهرت معطيات جديدة على الملف اليمني، وتغيرت المعادلات العسكرية بالتهام الحوثيين للجيش السابق، ضما وتسريحا وإحلالا، وخلو السلطة إلا من بعض المعسكرات هنا أو هناك، ودخول المقاومات الشعبية في المشهد العسكري، ما يعني نشوء الحاجة إلى تأسيس قوة نظامية عسكرية تكافئ تنظيم وأعداد وعتاد القوة الحوثية.
 
وفي الشق السياسي ألقى مسار الأحداث أمام السلطة مسؤولية إدارة العلاقة مع التحالف العربي كمنظومة عسكرية وسياسية واحدة وبنفس الحين كمكونات مستقلة.
داخليا حتم الوضع الناجم عن الحرب إيجاد صيغ بديلة لوضع البيض في سلة واحدة، غير أن ما حصل هو المزيد من الأخطاء وقراءة المسرح السياسي والعسكري بعيدا عن المعطيات الميدانية على الأرض.
 
لم تستطع السلطة الشرعية أن تظلل جميع المكونات السياسية المناهضة للحوثيين ففقدت زمام المبادرة في الميدان العسكري، ووقعت في أفخاخ أحادية سياسية تكتنفها وتحيط بها إحاطة السوار بالمعصم إلى حد فقدان الاتجاهات كما حدث في الاندفاع إلى اتفاق ستوكهولم بوقت يتلقى الحوثيون هزائم عسكرية مميتة في محافظة الحديدة ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة في الحرب الدائرة، ما حرم البلد من انتصار يعيد ترميم المعادلة العسكرية ويضع العاصمة عمليا في حصار من الجهنين الشرقية والغربية.
وإضافة إلى إتلاف الثمار العسكرية والسياسية لانتصار الحديدة، لولا يقظة القوات المشتركة، أهدى اتفاق ستوكهولم للحوثيين منطقة آمنة للتحرك العسكري واستقبال السلاح الإيراني وتهديد الملاحة البحرية غير ما يمدها به من موارد مالية.
 
إدارة المعركة السياسية والعسكرية مع الحوثيين تطرح مسؤولية تصحيح مسار الشرعية كضرورة ملحة لتدارك خسائر عسكرية ميدانية تجعل نهاية الحرب محسومة، لكن لصالح الجعبة الحوثية.
 
التحالف العربي المساند والقوى السياسية الداخلية المناوئة للحوثيين ومجلس النواب كهيئة رسمية وشعبية دستورية وتمتلك الشرعية الكاملة، مطالبين بإعادة النظر في صيغ إدارة الحرب من باب إيجاد شراكة حقيقية وفعالة، عبر مؤتمرات وما شابه، ومن خلال مشاورات جدية تذيب الأجندات الخاصة في بوتقة الأجندة الوطنية الجمهورية، أو على الأقل تؤجل الخلافات إلى ما بعد الحقبة الحوثية.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية