"اليمن يتسع للجميع" مقولة سياسية تؤكد على خيار ديمقراطي جوهره التعايش كطابع أساسي لعلاقات اليمنيين، أفرادا ومكونات، وبالضرورة لا تعني الديمقراطية مجالا يسير في الخواء، على العكس فهي تعبير عن علاقات مضبوطة في إطار دولة تسودها قوانين تعزز الحريات العامة والخاصة وتحميها بضمانات تكفل تكافؤ الفرص وفق معايير وإطارات سلمية، لا تنسجم مع تعدد الكيانات المسلحة ولا زلزلة القيم القانونية التي تقوم عليها الدولة الحديثة بما فيها قوانين الخدمة العامة في المجالين العسكري الأمني، والمدني.
 
وفي هذا المضمار نستطيع أن نتساءل عن الوضع اليمني لما بعد الحرب ومدى إمكانية إيجاد حالة تعايش غير مكلفة بين المكونات اليمنية والحوثيين في ضوء ألغام سياسية واقتصادية وإدارية زرعها الأخيرون في طريق أي اتفاقات تسوية.
 
خلال فترة الاستيلاء على السلطة كلف الحوثيون البلد مئات الآلاف من الوفيات، عدد كبير منهم في العمليات الحربية، إضافة إلى عشرات المليارات من الدولارات في تقويض جهود تنموية استغرقت عقودا بما في ذلك المؤسستان الأمنية والعسكرية بعتاد ضم مئات الطائرات الحربية المروحية والدبابات والمدفعيات والذخيرة وغيرها من مستلزمات الجيوش الحديثة، وهي المعدات التي تعرض معظمها للتدمير، غير ما نال البنية التحتية من آلاف الكيلومترات من الطرقات والمنشآت والمؤسسات الخدمية، تعليمية وصحية، وغيرها، وما طال القطاعات الزراعية والسمكية والصناعية والقطاعات الأخرى من دمار، بجانب فاقد الفرص التنموية منذ العام 2011 وبالأخص أثناء فترة الحرب وحصول ما يمكن وصفه بالتنمية السالبة ما عدا في القطاع العقاري الذي حول إليه جزء مهم من المدخرات المالية، وقسم كبير من أموال الأثرياء الجدد من الجماعة الحوثية.
 
في قطاع الخدمة العامة بينها المدني والعسكري الأمني عبث الحوثيون بالقوانين الناظمة، وأتلفوا بيانات خاصة بوزارتي الدفاع والداخلية، وضموا من عناصرهم غير المؤهلة والمفتقرة للاشتراطات القانونية، عشرات الآلاف إلى أجهزة الدولة المدنية والعسكرية، وأصدروا آلاف القرارات بترقيات لمدراء عموم وما فوق ورتب عسكرية عالية أكثرها من خارج المجال الوظيفي للدولة.
 
الطبيعة العصبوية للمليشيا ستجعل استيعاب هؤلاء في حالة التسوية مسألة غير قابلة للتنازلات المهمة، ما يحمل جهاز دولة ما بعد الحرب اختلالات هيكلية جسيمة تحتاج عشرات السنين من عمر التنمية والإصلاحات القادمة لإرجاع الجهاز الإداري للدولة إلى وضعه السوي، في ظل بقاء الحوثيين كمكون سياسي مسلح، وفوق هذا ستتحمل ميزانية الدولة أعباء كبيرة تلتهم معظمها نفقات الباب الأول الخاص بالمرتبات والأجور وما في حكمها، وانعكاسات ذلك بصورة جدية في عرقلة استئناف عمليات التنمية، وإعادة الإعمار حتى إذا تبنى التحالف العربي والمجتمع الدولي صندوقا لإعادة الإعمار في اليمن، وحتى مع الوضع بالاعتبار فارق سعر صرف الريال وقتها بالمقارنة بالأسعار السائدة اليوم، ناهيك عن استئناف بناء القوات المسلحة والأمن بعتاد حديث.
 
ألغام حوثية تقف في طريق التسوية تجعل هزيمتها كقوة عسكرية خيارا وحيدا، فإما جمهورية وإما حوثية.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية