بثلة من الجند يتقدمهم الشهيد، قلة -والقلة بميزان العظمة توازي كثرة الذين نسلوا من كهوف السلالة - أشرع صالح للجمهورية الثانية طريقا ملحميا في عمق الجغرافيا الحوثية ، كان صالح يعلم أنه ميت، لكن ثمة دماء ملهمة ، في أحايين كثيرة الموت هو التشريع الحقيقي للحياة ، فمات صالح وعادت حركة النضال إلى الواجهة وكانت قد خمدت جذوتها في المدن والأفئدة ، ضحى صالح بنفسه ليخط جغرافية جديدة للجمهورية بالساحل الغربي.
 
كانت معركة مقدسة ، عن المقاتل الجمهوري سأتحدث ، وكان الطارق هو نون والقلم والسطر الأول من كل ملحمة ، غاب عن الأنظار ، قيل قتل ، قيل أسر ، قيل دفنه الشهيد قبل ارتقائه إلى العلا ، وهبت رياح اليأس ، دبت في مفاصل الأحرار تفاصيل الاستسلام ، وقبل أن تخمد جذوتهم ، قبل النهاية المتعسة للأشاوس بلحظة ظهر طارق صالح معلنا عن معركته في الساحل الغربي ، يا الله ما أفرح الوطن بتلك اللحظة ، كان ظهوره أملا أعاد للرجال قلوبهم ، وللبنادق رصاص التضحية ، والأقلام التي جفت نبعت بالحبر الأحمر، فلم ترفع الصحف ، بل صحيفة واحدة مثلت كل الأحرار ألا وهي صحيفة الفداء على طول الساحل.
 
نعم في أبريل ، هذا الشهر الذي يمر ويناغم الجمهورية بحدوات الصهيل في البلاد ، بدأت المعركة ، انطلقت جحافل شكلت من حاجة ملحة لسد ثغرات المعركة الجمهورية وشكلت فارقا كبيرا في رقعة الحرب ، كانت المقاومة الوطنية هي العودة الخرافية لأسطورة قلما تحدث وحدثت ، قالوا لن تنجح ونجحت ، قالوا لن تمر فمرت ، قالوا لن تبقى فبقيت ، قالوا ستنهزم فهزمت الكهنوت الذي لاذ مختبئا في كواليس الأمم المتحدة فالطارق ان هزم مرة - وهذا عهد الرجال بالهزائم - ينتصر كل مرة ، كل مرة ينتصر ، لا مفر من ذلك.
 
لا يسعني ملامسة الحقيقة ، أن تكتب للعالم ماذا أنجزت المقاومة الوطنية ، لا يسعني أبدا ، فهنا على هذه الأرض ما يستحق التأمل ، من مفرق المخا والبرح إلى الحديدة ، إلى مدينة الصالح ، إلى الكورنيش ، إلى البوابة الجنوبية للحديدة والشرقية ، الغربية لجامعة الحديدة ، إلى شارع صنعاء ، إلى مقتبل النصر لولا اتفاق ستوكهولم ، ففي هذه الملحمة تحققت شروط الملاحم ، قادة ، نجمات ، البزات أيضا ، عقيدة قتالية ، وغاية جليلة للوطن.
 
مذ سقوط أول شهيد على أرض الحديدة السمراء ، ومنذ دفن الشبلي في رمال السواحل المزينة بالهامات إلى يومنا هذا ونحن نشيع الصليحي والمقاومة الوطنية تعمد الجمهورية دون حاجة لشهادة إذ الشهداء هم الحقيقة المطلقة ، من أبناء تعز ، من أبناء اب ، وريمة ، ومن أبناء اليمن قاطبة ، من الجنوب والشمال تعمد واحدية الرصاصة والهدف ودحر الكهنوت الذي سلب كل شيء ، كل شيء دمره.
 
وأعود إلى البداية ، الفاتحة لروح الشهيد وكبير الوطن علي عبدالله صالح ولو جئنا لمد هذه الملحمة لوجدنا أنها بدأت بيوم الثاني من ديسمبر ، أشرعت بأول قطرة دم سقطت من جسد الشهيد الطاهر ، صالح الذي يبقى ولا يرحل ، قالها قبل استشهاده إنه يبقى في بلده حيا وميتا ، فبقى ، بقي صالح ككل الأوطان التي إن ماتت تموت واقفة ، وذهب ما دونه أدراج النسيان .

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية