ما يزال رجال التجمع اليمني للإصلاح يطبلون للأنموذج التركي، لكنهم لا يبدون أي تأثر فيه من الناحية الفكرية أو السلوكية.. فحزب أردوغان المصنف أنه إخواني، حزب متحرر، ليبرالي، يتملك وينتج أفكارا جديدة، بينما لا يجرؤ أصحابنا في حزب الإصلاح الاقتراب من هذه المزايا.
 
جماعة الحوثي بصفتها جماعة دينية أو جزءاً من حركات الإسلام السياسي، مثلها مثل الإصلاح تضع نصب عينيها أنموذجاً تطبل له، والنظام السائد في إيران هو ذلك الأنموذج المثالي بالنسبة لها.. وطال ما روج له بدر الدين الحوثي وأبنه حسين بين الأتباع منذ البداية.. ومثل حسين اليوم خلفه عبد الملك ومعظم قيادات الجماعة، وكل وسائل الإعلام المتوافرة بين يديها.. هذا أمر ليس خفيا ولا يحتاج إلى برهان زيادة على براهين الجماعة.. وإن شئنا الدقة، فهي تقترب من الأنموذج الإيراني لجهة بعض المركبات المذهبية والتوجهات السياسية فحسب، لكنها أبعد ما تكون عن المركبات الأساسية لهيكل النظام هناك، على الرغم من التبعية الظاهرة لجمهورية إيران.
 
وإذا كان ضرب المثل يفيد في إجلاء الفكر، نقول إن الولي الفقيه (المرشد الأعلى لجمهورية إيران) ينتخب من قبل أعضاء مجلس خبراء القيادة، ورئيس الجمهورية ينتخب من قبل الشعب لدورتين فقط، كما ينتخب أعضاء مجلس الشورى المكون من مختلف القوميات(فرس، أذريون، عرب، يهود، أرمن)، كما ينتخب نصف عدد أعضاء الهيئات الدستورية الأخرى المذكورة فوق.. وغني عن القول إن إيران ليست أنموذجا، فنظامها السياسي متخلف وعفن، ورجاله الحقيقيون ملالي متزمتون.. لكن ما دامت الجماعة الحوثية تتخذه مثالا وقدوة لها، بماذا حاكته؟ إنها ترفض مبدأ الانتخاب من الأساس.. تعتبر الديمقراطية فكرة غربية دخيلة تتعارض مع الأصل الديني المزعوم، وهو أن الحكم يكون في آل البيت.. وقد قالها مؤسس الجماعة: الديمقراطية لا تنفعنا، لأننا لو تركنا للشعب حرية الاختيار فقد يختار يهوديا!
 
هناك في جمهورية إيران ترى- من الناحية النظرية أو الشكلية على الأقل- توازناً في السلطات المعنية بوضع وتنفيذ السياسات العامة، فمجلس صيانة الدستور يمكن أن يبطل قرارات مجلس الشورى، وإذا احتج مجلس الشورى كان الفصل في الخلاف لمجمع تشخيص مصلحة النظام، وإذا استمر الخلاف تدخل القضاء، وفي الأخير يأتي دور الولي الفقيه الذي هو أعلى سلطة في البلاد.. بينما الجماعة الحوثية التي تعتبر إيران أنموذجا مثاليا وقدوة لها، هي وحدها التي تحدد السياسات، وهي المتفردة بالسلطات كلها، وكلمتها هي الكلمة النهائية.. عطلت مجلس النواب، وشحنت مجلس الشورى بعناصرها لتغيير دوره، وصادرت الحريات العامة، وقمعت حرية الرأي، والحريات السياسية والفكرية والشخصية.. هي وحدها تسير رئيس المجلس السياسي، وهي التي تملي على حكومتها القرارات، ومشرفوها هم الذين يديرون الوزراء.. وكلمة عبد الملك هي الدستور الجديد.. إنها عودة إلى الاستبداد المطلق، بعد اختفاء الأنظمة الاستبدادية في العالم كله منذ عقود كثيرة.
 
يقولون إيران أنموذج يحتذى به.. وأول من قال ذلك مؤسسها حسين الحوثي الذي كان مفتونا بإيران الخميني.. فأين هي الحوثية من هذا الأنموذج، وهي التي تحتكر السلطة، وتديرها وفق إرادة وهوى قيادات الجماعة.. وانظروا من هي القيادات: عبدالملك الحوثي، محمد الحوثي، عبدالخالق الحوثي، عبدالكريم  الحوثي، يحيى الحوثي، وهم من أسرة واحدة، ومن منطقة واحدة هي صعدة، ومنها أيضا المشاط، الفيشي، والقحوم.. فإذا وسعوا أفقهم قليلا، لا يتجاوزون السلالة نفسها، ولاحظوا مرة أخرى أسماء العائلات: عبدالقادر الشامي، يحيى الشامي، زكريا الشامي، ضيف الله الشامي، والحمزي، والمتوكل، وحجر، والخيواني، والمداني، والبخيتي، وهلمجرا..

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية