تتميز اليمن بنسيج قبلي يمنحها قوة وصلابة شأنها شأن بلدان عربية شتى كالعراق وليبيا وسوريا، كذلك الجزائر، لكن لها خصائص أخرى يجب فهمها لتكون سندا أساسيا للدولة وعاملا رئيسا لقوة البلد لخدمة المجتمع على مستوى الحيز الوطني.
 
في الربيع العربي استهدفت النكبات المسماة زورا وبهتانا بالثورات النسيج العشائري المتماسك المحافظ على هويته في البلدان التي ظهرت على أراضيها، في محاولة منها لتدمير الأعراف والتقاليد التي سنتها القبيلة قبل نشوء الدولة ورتبت الوضع الاجتماعي، وعلينا فهم أن الربيع العربي بدأ من غزو العراق كما كشف كتاب ويكليكس وأسرار الربيع العربي، فالغزو كان من ضمن الاستهداف الممنهج لمنظومة البنى العشائرية.
 
ولتكملة الأمر، مع ما يحدث باليمن، نُشر فيديو متداول عبر السوشيال ميديا للقيادي الحوثي ضيف الله رسام الذي قال إنه سيجبر القبائل على الحرب معهم وأنهم كما قال إن رفضوا سيزجهم كدروع بشرية لحماية سلالته.
 
 وهذا يكشف حقيقة أن القبيلة هي العامل الرئيسي للثورة على مليشيا السلالة -ليس من الآن بل من ألف سنة، فالهادي لم يخضع اليمن إلا بالتخلص من القبائل -لذا تخاف المليشيا من القبيلة، وفي ظل الفوضى الكارثية تنال من القبائل دون أن ينتبه أحد لما ترتكبه بحق القبيلة اليمنية الأصيلة.
 
الحوثي، على ما أظن، لا يريد القبائل للقتال معه، فقط، هو يبحث عن عذر لخمد هذا المكون اليماني الأصيل بتهمة التعاون مع التحالف أو التهادن ولمرحلة قادمة تضمن له -وإن حدث اتفاق سياسي -أن لا قوة ستقف بوجهه إن عاد مرة أخرى هابطا إلى كل سهل وساحل مثلما يحدث الآن.
 
 فالحوثي يتعمد إهانة القبيلة، وطريقة سحل مجاهد قشيرة قبل فترة مثال آخر لنيته إعادة تشكيل ذهنية اليمن على ضوء الجنس الاجتماعي الجديد الذي صنعه من المتأبشين وشذاذ الآفاق، سحل مجاهد بتلك الطريقة رسالة لكل شيخ ولكل قبيلة أن مصيركم هذا، فلا تستعجلوا !!
 
أثبت ضيف الله رسام أن الحوثية تمهلت في القضاء على بعض القبائل فقط كون السلالة منشغلة بالحرب، وهذا ملحوظ قبل حديث السلالي المقيت، فالمليشيا تتمهل القضاء التام على القبائل تجنبا لثغرات كبيرة ، بينما القبائل تتفرج على بعضها وهي تذبح، فما حدث لحاشد، ثم لحجور، وما حدث بعد ذلك في عمران ثم لبكيل بالجوف وسيحدث أكثر من ذلك حين يحين الوقت للمليشيا، فأنت ترى كيفية تعامل المليشيا مع الجبهات القبلية التي تواجه سلطة الكهنوت، تحاول بأشدها القضاء عليها وتجر نفسها ولو إلى محرقة من أجل كسر القبائل، فالحوثي يعلم كما أعلم تمام العلم أن نهايته بيد القبيلة.
 
ومن ضمن أساليب الحوثي للحد من دور القبيلة أن كل قبيلة هزمت أمامه نكل بأفرادها وسحلهم ، وهدم بيوتهم وتعمد إهانة رمزية كبارها بحيث لا يتجرأ أي شيخ قبلي على مواجهتهم ، فيفضل الصمت كون الحوثي لا يكتفي بقتلهم فيتوعد بإهانة القبائل وتلطيخ الشرف وهدم المنازل؛ خاصة والقبائل التي انتفضت ضد المليشيا تعرضت لذات السوء وهذا ما حدث في تعز وحجة والبيضاء وذمار، ولنتذكر أن القبيلة كانت المكون الوحيد الذي انتفض انتقاما لاستشهاد الزعيم صالح في مناطق عدة، وأعجزت المليشيا لأسبوع كامل ، فلم ينجدها أحد ليستفرد الحوثي بها هدما للمنازل ونهبا للممتلكات وتنكيلا بالأفراد.
 
ويمكن إجمال فحوى كلام رسام أن الهوية الجامعة للمجتمع اليمني في خطر، وأن القبيلة لو هبت هبة رجل واحد جنبا إلى جنب مع حراس الوطن سنقتلع الكهف من جذره، من حيث غرس الهادي نفسه قبل ألف سنة وقرن، فللقبيلي غايتان، الأولى جمهوريته التي سنت بدماء الأحرار، والثانية كرامة قبيلته.. فملحمة بلا قبيلة ناقصة بشدة.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية