يعيش العراق حالة من الانقسام وحالة من الصراع على صعيد الهوية في الشارع العراقي، في ظل المظاهرات المستمرة والهتافات الشعبية نجد أن الهوية هي (العراق العربي)، أو إذا صح التعبير أن الهوية التي يبحث عنها الشعب العراقي هي البحث عن (هويته العربية)، ولكن على صعيد أروقة السياسة والتعاطي السياسي نجد أن الهوية (هي العراق الإيراني)، أو هكذا يحاول المسؤولون العراقيون أن يفرضوا على الشعب العراقي (هوية فارسية ومحاولة طمس الهوية العربية)، وهو صراع ليس بجديد بل هو صراع متجذر في تاريخ الدولة العراقية على المدى القصير، منذ عام 2003 وسقوط نظام صدام حسين.
 
لا يحكم العراق (هويته العربية) بل ما يحكمه هو الهوية التي يحاول قاسم سليماني أن يفرضها على العراق وهي (هوية التبعية للفارسية)، بل إن ما يحكم العراق ليس المسؤولون العراقيون إنما هو (قاسم سليماني)، الذي إن صح التعبير يعتبر هو الرجل الأول في العراق، وهو من يدير المشهد الأمني والسياسي، وهو ما تؤكده حالة الإصرار من قبل قاسم سليماني على الحضور في المشهد العرقي، في ظل المظاهرات التي يعيشها العراق، عبر الزيارات المتكررة والسرية لقاسم سليماني إلى العراق، والإصرار على وضع الخطوط العريضة في طريقة التعاطي مع المظاهرات الشعبية في الشارع العراقي.
 
عند النظر لمسألة استقالة عادل عبدالمهدي نجد أن رئيس الوزراء العراقي كانت لديه الرغبة في تقديم الاستقالة في الأسابيع الأولى من الاحتجاجات، ولكن تدخل قاسم سليماني والتي كانت زيارته الأولى إلى العراق مع بدء المظاهرات تهدف للحشد هي السبب خلف عدم تقديم الاستقالة، ومن ثم يمكن النظر لاستقالة عادل عبدالمهدي فيما بعد وقبل أسابيع بأنها لم تكن لتتم بدون وجود (ضوء أخضر إيراني)، وربما وجدت إيران في التضحية بورقة العلاقة مع عادل عبدالمهدي يمكن أن يسهم في كبح جماح المظاهرات المتصاعدة وتيرتها، خاصة أن هناك علاقات متجذرة مع إيران منذ عهد صدام حسين، وتوثقت بشكل أكبر هذه العلاقة عندما كان عادل عبدالمهدي وزيراً للنفط عام 2014.
 
يمكن النظر للتسريبات الاستخباراتية الإيرانية التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز"، والتي تكشف تفاصيل علاقات مسؤولين عراقيين بطهران، وتقدم صورة مفصلة لكيفية عمل طهران على دمج نفسها في الشؤون العراقية، والدور الفريد لقائد فيلق القدس قاسم سليمان، وبأنه من غير الممكن لأي سياسي عراقي أن يصبح رئيسا للوزراء دون مباركة إيران، بأن ذلك يرسم بشكل واضح العلاقة بين إيران والمسؤولين العراقيين، وإلى أي مدى التجذر والاختراق الإيراني للطبقة السياسية والنظام الحاكم في العراق، ومدى القدرة الإيرانية على تسيير النظام العراقي، ومكانة قاسم سليماني في النظام العراقي الطائفي الذي يأمر بأمره، ويسير وفق الخطوط التي يقوم بصياغتها.
 
ومن ثم استقالة عادل عبدالمهدي لن تغير من المشهد العراقي وطبيعة سير عمل النظام العراقي وتركيبته وتدخلات إيران شيئاً، وإنما هي محاولة (لتغيير الوجوه) خطوة يأمل منها في أن تقود إلى كبح جاح المظاهرات، ولكن في مظاهرات العراق 2019 بدا واضحاً أن الوعي الشعبي كان أكبر من خطط الطبقة السياسية ومحاولاتها المستمرة للمراوغة، وهذا ما يتضح من خلال تعاطي المظاهرات مع استقالة عادل عبدالمهدي بالعمل على التصعيد، وهو ما يعكس أن هذه الاستقالة لم ترضِ طموحات الشارع، الذي لا يتوقف سقف طموحاته في العمل على (تغيير الوجوه)، وإنما كان سقف طموحاته هو الهدم الكامل للنظام الطائفي وإعادة البناء على أسس جديدة بعيداً عن الأسس الطائفية، ومن ثم ما يحدث في العراق يستهدف بالدرجة الأول (هدم المستوطنات) التي أسستها إيران داخل النظام العراقي، حتى يتسنى لها إدارة المشهد السياسي العراقي وفق ما يخدم أجندتها.
 
 في طريقة تعاطي الشارع العراقي مع الأحداث يمكن النظر لما يحدث في العراق بأنه يطمح لهدف أكبر من تغيير واستقالة الحكومة إلى (العمل على هدم المستوطنات الإيرانية)، ومن ثم فإن إحراق القنصلية الإيرانية في العراق للمرة الثالثة هو رسالة واضحة؛ بأن الصراع الشعبي في العراق لا يقتصر على الطبقة السياسية العراقية، وإنما الصراع في الأساس مع الأيدي التي تدير الطبقة السياسية وهي إيران، وأيضا الانتفاضة الشعبية في النجف ذات الأغلبية الشيعية وفي منطقة جنوب العراق -وهي من أهم مناطق النفوذ الإيراني في العراق، والتي تعتبر المقصد الديني لإيران لبسط نفوذها- يهدف بالدرجة الأولى إلى العمل على تجريد إيران من أدواتها، وهي "الورقة الطائفية" التي تسعى لاستخدامها لتثبيت وجودها في الأراضي العراقية.
 
* نقلا عن موقع "العين الإخبارية"

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية