مظاهرات العراق ولبنان.. الدوافع والأسباب ودلالات الهتاف
اللافت في مظاهرات العراق أن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي كان من أشد الموالين للنظام الإيراني، ومؤسس جيش المهدي سيئ الصيت، عدل عن موقفه وانحاز لأبناء شعبه اليوم مع تياره صاحب الأغلبية النيابية، ودعا الموالين له للنزول للشارع، وكتلته النيابية للاعتصام في المجلس انتصارا لمطالب المحتجين، بل أن الاحتجاجات في مناطق كانت محرمة مثل النجف وكربلاء، يغلب عليها التيار الصدري، ونزل إلى الشارع ليشد أزر المحتجين.. لقد ضاق هذا الرجل وغيره من الزعماء الشيعة بالهيمنة الإيرانية التي تمس الكرامة العراقية، فما بالكم ببسطاء الناس الذين يعاني معظمهم الفقر والبطالة في بلد يمتلك موارد اقتصادية ضخمة ويعد من كبار منتجي النفط.
ويدرك العراقيون أن الفساد ليس عدوهم الوحيد بل أن إيران هي عدو أيضا على المستوى الآني والمستقبلي، ولذلك كان رد فعلهم واضح الدلالات، فقد ردد المتظاهرون شعارات معادية لإيران، وللحكومة الموالية لها وحتى منظمات مسلحة شيعية شديدة الولاء لقم مثل عصائب أهل الحق ومنظمة بدر ورأشهروا في وجه الجميع لافتة: ارحلوا جميعا.
أثناء مظاهرة كربلاء أسقطوا لوحة تحمة صورة الرئيس الإيراني على خامنئي ومزقوا صورته وهتفوا: هذا وعد وبغداد لن تسكت بعد الآن.. وذلك بعد أن رفعوا العلم العراقي فوق مبنى القنصلية الإيرانية بالمدينة.. إن هذا الموقف طبيعيي بعد سنوات طوال تعرض فيها الشعب العراقي للاستهداف من قبل جمهورية إيران الإسلامي.. فقد استهدفته بالطائفية والهيمنة المباشرة على الحكومة، وأوجدت فتنا دينية لم يكن يعرفها العراق من قبل. كما استهدفته داخل أرضه بالميليشيات الدينية المسلحة التابعة لها مباشرة، أي الإيرانية، مثل الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، من خلال الميليشيات الدينية الطائفية التي شكلتها من جماعات عراقية موالية مثل عصائب أهل الحق ومنظمة بدر.. ليس هذا فحسب، بل لقد تأكد للمتظاهرين العراقيين أن القائد الإيراني قاسم سليماني ومعه فاتح الفياض مستشار الأمن القومي العراقي الموالي لإيران كانا وراء تشكيل خلية إجرامية قبل منتصف مع بداية المظاهرات مهمتها قمع المتظاهرين، ويعزى إليها معظم حالات القتل والإصابات بين المتظاهرين..
الحالة اللبنانية
وإذا انتقلنا إلى لبنان لنتأمل المطالب والشعارات وما تعرض له المتظاهرون من ضرب وإحراق الخيام.. وجدنا شبها بين الحالتين العراقية واللبنانية.. مع التذكير أن الهيمنة الإيرانية هي في لبنان كما في العراق، وكما أن في العراق قاسم سليماني والحرس الثوري، كذلك هما في الجنوب اللبناني وفي الضاحية الغربية من بيروت، وكما لإيران مليشيات موالية في العراق مثل عصائب أهل الحق ومنظمة بدر وغيرهما فأن لها في لبنان ركيزتين متينتين هما حزب الله بقيادة حسن نصر الله، وحركة أمل بقيادة بري، غير أن هذا الأخير وحركته لا يعطون إيران كل شيء على حساب الكرامة اللبنانية كما هو الحال بالنسبة لحسن نصر الله وحزبه الذين يقدمون الولاء لإيران على انتمائهم اللبناني.
في العراق هتفوا: ارحلوا جميعا، وفي لبنان هتفوا: كلهن يعني كلهن.. و كلهن كلهن كلهن نصر الله واحد منهم.. في العراق قتل وجرح مئات المتظاهرين على أيدي خلية الموت الإيرانية- العراقية، وفي لبنان هتف المتظاهرون: دولتنا دولة شبيحة، إشارة إلى ميليشيات حزب الله التي اعتدت على المتظاهرين مرارا، وأخيرا شكل فرقة راكبي الدراجات النارية الذين قاموا يوم 19 أكتوبر بالاعتداء على المتظاهرين وسط بيروت وارقوا خيامهم، وهو السلوك الذي دفع رئيس الوزراء الحريري للمسارعة إلى تقديم استقالته والحكومة إلى الرئيس ميشال عون، بعد أن عجز عن الوفاء بعهده السابق للمتظاهرين أنه سيضمن عدم الاعتداء عليهم.. وكما هتف العراقيون من أجل إسقاط الفاسدين والمتسببين بالبطالة والفقر، هتف اللبنانيون: هيه هيه هيه حكومة حراميه.. يلا يلا يلا.. حريري اطلع برا.
القوة خفية
يعتقد بعض المحللين أن ثمة قوى خارجية تقف وراء المظاهرات التي تشهدها العراق ولبنان، ربما تكون من بينها الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، وذلك ضمن خطة ضرب النفوذ الذي حققته إيران في المنطقة العربية وفي مقمتها العراق ولبنان، وربما تكهنوا بذلك بسبب تلميحات صدرت من زعيم حزب الله وبعض القادة العراقيين الذين أشاروا إلى قوى خفية قامت بتحريك هذه الاحتجاجات، ولكن لا توجد دلائل تشير إلى صحة تلك التكهنات.
قد تكون هناك قوى استغلت هذه المظاهرات في وقت لاحق، أما في بداياتها فقد كانت عفوية، واحتجاج على الطائفية، والتدخل الإيراني، وإلى جانب ذلك كانت مطالبهم واضحة، مثل إزاحة الفاسدين من السلطة، باعتبارهم لصوص ومبددي المال العام، ولعجزهم طوال سنوات عن تحسين الإدارة العامة وإدارة الموارد لمصلحة المواطنين الذين يفتقرون للخدمات الأساسية وإلى فرص العمل، ويعانون الفقر. وأي أمة حية تعاني من هذه الآفات لا تحتاج لقوة خارجية تدفعها للتظاهر في سبيل مصالح أو مطالب مشروعة.
الشعب اليمني يعيش وضعا مأساويا من كافة النواحي، وحسبكم أن قرابة نصف مليون موظف عمومي في مناطق إدارة الحوثي، يعيلون نحو أربعة ملايين نسمة لا يحصلون على رواتبهم منذ ثلاث سنوات، ومرارا تحركت في العاصمة صنعاء مثلا مجموعات كبيرة من الموظفين وفي مقدمتهم المعلمين للمطالبة بالرواتب، فواجهتهم الجماعة الحوثية بالقمع المسرف في كل مرة.. لن يكتب لمثل هذه التحركات النجاح إلا إذا بلغت من القوة العددية ومن الإرادة قدرا يصعب على الجماعة الحوثية قمعها.