شهد الأسبوع الماضي نقلة نوعية لتعميق العلاقة بين الحوثيين وإيران، حين نشرت وسائل الإعلام الرسمية في إيران صور لقاء المتحدث الرسمي للحركة مع المرشد الأعلى الإيراني ومسؤولين آخرين. وحسب المصادر الإيرانية الرسمية، سلّم الوفد الحوثي للمرشد رسالة من زعيم الحوثيين يعلن فيها تبعيته الكاملة له، قائلاً إن البيعة لخامنئي امتداد للبيعة للرسول صلّى الله عليه وسلم، وللإمام علي وللخميني مؤسس الثورة الإيرانية. وفي المقابل دعا المرشد إلى دعم الحوثيين في «جهادهم».


كانت هذه المرة الأولى التي تكشف فيها إيران عن لقاءٍ للمرشد بالحوثيين، ومن الواضح أن إيران حرصت على عقد هذا اللقاء وإظهاره للعلن، على الرغم من انخفاض مستوى التمثيل، إذ أشارت وسائل الإعلام الموالية للنظام الإيراني إلى أنها المرة الأولى التي يلتقي فيها المرشد – أعلى سُلطة في إيران – بمجرد متحدث رسمي لأي حركة، ولكنها قالت إن إيران تغاضت عن انخفاض مستوى الوفد للتعبير عن اهتمامها بالوضع في اليمن، وأوضحت تلك الوسائل أن اللقاء أنهى حالة عدم الوضوح السابقة، حيث لن تنظر إيران بعد اللقاء إلى الحركة الحوثية باعتبارها حكومة الأمر الواقع فحسب بل ستعدّها الحكومة الشرعية في اليمن.


قبل هذا اللقاء، دأب الجانبان الإيراني والحوثي على التقليل من عُمق علاقتهما، على الرغم من الزيارات المتكررة لقادة الحوثيين إلى إيران، وتصريحات زعيم «حزب الله» في لبنان التي يُعلن فيها دعمه الكامل للجماعة، ويعترف بوجود عناصر «حزب الله» مع الجماعة في اليمن. وعلى الرغم من تواتر الأدلة على تهريب إيران للسلاح والأموال إلى الحوثيين، استمرت إيران في نفي تقديمها أي دعم مادي للحوثيين.


قرار إيران والحوثيين الأسبوع الماضي بالإعلان رسمياً عن تبعية الجماعة الحوثية لها يعني أنهم لم يعودوا يرون أن الكشف عن هذه العلاقة مضرٌّ بمصالحهما، كما كان الأمر في السابق، إذ أصبحوا يعتقدون أن الأوضاع في اليمن تسير في صالحهم، ويعتقدون – مخطئين في ظني – أن طريقة تعامل المبعوث الدولي مع الحوثيين تعني اعترافاً دولياً بهم كطرف ندٍّ للحكومة اليمنية. فحين تولى مارتن غريفيث منصبه في فبراير (شباط) 2018، كان الحوثيون منبوذين محلياً ودولياً بعد الطريقة الوحشية التي تخلصوا فيها من حليفهم رئيس اليمن السابق علي عبد الله صالح في ديسمبر (كانون الأول) 2017، وشجعت الحركة المبعوث الدولي على الاعتقاد بأنهم أصبحوا مستعدين لتقديم تنازلات ملموسة في المباحثات، وسعوا بهذه الطريقة إلى استغلال وساطة المبعوث لإعادة تأهيلهم من مشروع إجرامي في نظر أغلبية اليمنيين إلى شركاء للسلام في نظر الأمم المتحدة، ولكن المبعوث لم يتمكن من تحقيق تقدم يُذكر حتى الآن.


وفي الوقت نفسه يبدو أن إيران والحوثيين رأوا أن الظروف الصعبة التي تمر بها الحكومة الشرعية بعد أحداث عدن الأخيرة قد جعلت من المناسب عقد اللقاء بين المرشد والحوثيين في محاولة لكسب التأييد للجماعة الحوثية، وهو ما صرّح به وفد الحوثيين، إذ طالب وهو في طهران بأن يعترف المجتمع الدولي بالحركة بعد لقاء خامنئي لهم وإعلانه الدعم المطلق لحركتهم. وهذا التصريح دليل آخر على سذاجة ممثلي الحركة، إذ إن دعم إيران علناً لهم سيجعل دولاً كثيرة تتردد في التعامل مع الحوثيين، وليس العكس.


هناك سبب آخر للإعلان عن الشراكة الحوثية - الإيرانية في هذا الوقت، فقد اكتسبت الجماعة الحوثية أهمية أكبر بعد تبني الولايات المتحدة سياستها الجديدة نحو إيران، خصوصاً بعد تشديد العقوبات على إيران، وإعلان أميركا أنها تهدف إلى إيقاف الصادرات النفطية الإيرانية. حينها هددت إيران بأنها إذا مُنعت من تصدير نفطها فإنها ستوقف تصدير النفط من الدول الأخرى في المنطقة. وبدأت إيران بتوجيه وكلائها في المنطقة ودعمهم بالخبرات والعتاد لمهاجمة الأهداف المدنية، خصوصاً المنشآت النفطية، في المملكة العربية السعودية. وهذا ما حدث بالفعل، حين تعرض بعض تلك المنشآت للاعتداء بالصواريخ الباليستية أو الطائرات المُسَيّرة. ومع أن الحوثيين أعلنوا مسؤوليتهم عن تلك العمليات، يُعتقد أن ثمة لاعبين آخرين شاركوا في القيام ببعض تلك الهجمات، وأنه طُلب من الحوثيين أن يقوموا بالإعلان عن مسؤوليتهم للتضليل وإبعاد الشبهة عن الفاعلين الحقيقيين.


بعد أربعة أيام من لقاء المرشد الإيراني للحوثيين، وخلال فترة وجود الوفد الحوثي في طهران، وقع هجوم بالطائرات المسيّرة على حقل «شيبة» النفطي، وسارع الحوثيون بتبني المسؤولية عن الهجوم، وربما عدّوه نتيجة طبيعية لمبايعتهم للمرشد الإيراني.

 

الهجوم على حقل «شيبة» يوم السبت 17 أغسطس (آب)، في المملكة العربية السعودية، ومع أنه لم يُسفر عن إصابات أو توقف للعمليات في هذه المنشأة، فإن استهدافه يدل على رغبة في التصعيد الإيراني لمواجهة العقوبات النفطية الأميركية، لأن حقل «شيبة» هو أحد أكبر حقول النفط في السعودية - الرابع بعد حقول «الغوّار، وخريص، والسّفّانية» - وينتج يومياً نحو مليون برميل من النفط. والهجوم الفاشل كان يستهدف كذلك تحقيق نصر إعلامي للحوثيين والإيرانيين، بإظهار القدرات الصاروخية للميليشيات الحوثية في الوصول إلى هدف يبعد أكثر من ألف وخمسمائة (1500) كليومتر من صنعاء.


ولا يُستبعد أن تحاول إيران مرة أخرى مهاجمة منشآت نفطية في السعودية أو غيرها. ففي ضوء نجاح الولايات المتحدة وحلفائها في تسيير دوريات منتظمة في الخليج، ونجاح الخطوات الأولى لتشكيل تحالف دولي لحماية ناقلات النفط والممرات الدولية، أصبحت مهاجمة السفن من قِبل إيران محفوفة بالمخاطر، في حين أن الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على أهداف نفطية ما زالت خياراً وارداً.
في نهاية المطاف، وحين لا تجد مخرجاً من العقوبات الأميركية، التي بدأت في التأثير بشكل عميق في الاقتصاد الإيراني وإيرادات الحكومة فإن إيران ستُضطرّ إلى العودة إلى طاولة المفاوضات التي دعاها إليها الرئيس الأميركي. وهناك ستكون الورقة الحوثية مفيدة حيث يمكن استبدال تنازلات أميركية بها. ويقرّ المسؤولون الإيرانيون سرّاً بأنه ليس لهم مستقبل في اليمن، ولكنهم سيحتفظون بها لاستخدامها كورقة في مفاوضاتهم مع الغرب ومع جيرانهم. ولن تستطيع إيران المقايضة إنْ هي استمرت في إنكار علاقتها بالحوثيين. ولكي تكون هذه الورقة مفيدة أكثر، فإنه يتعين رفع مستوى قدرات الحوثيين.


بعد مبايعة الحوثيين للمرشد الإيراني، أصبحت الحكومة اليمنية أكثر قدرة على إيضاح تبعية الحوثي لإيران. وبعد الهجوم على حقل «شيبة»، سيكون لزاماً على التحالف العربي مضاعفة الجهود لإعادة الحوثيين إلى حجمهم الطبيعي وإحكام عمليات التفتيش والتحقّق لمنع وصول الأسلحة النوعية إليهم.



الأمين العام المساعد للشؤون السياسية وشؤون المفاوضات في مجلس التعاون الخليجي.

 


*نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية