يبدو العالم في حالة من الفوضى، تشبه المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، فمن الانقسام الحزبي والأيدولوجي الحاد في أمريكا، وهي الإمبراطورية التي تتزعَّم هذا العالم، إلى انقسام مماثل في بريطانيا، حول خروجها من الاتحاد الأوروبي، ثم تتجاوز لندن إلى باريس، حيث مظاهرات السترات الصفراء، التي لا تشبه عاصمة النور أبداً، ثم ما يجري في فنزويلا، البلد النفطي، الذي حوّلته الشعارات الفارغة إلى بلد يعيش فيه الناس تحت خط الفقر، وما تتناقله وسائل الإعلام عن وضع المواطنين هناك يصعب تصديقه، لولا أنه ينقل لنا صوتاً وصورة، وكل هذا يهون، مقارنة بما يجري في منطقة الشرق الأوسط، التي كُتب لها أن تكون منطقة ملتهبة، لا تهدأ فيها الزلازل وتخبو النيران، حتى تعود جذعة، في مسلسل مؤلم لا يراد له أن ينتهي.

 

إيران قصة يصعب فهمها، فمنذ سقوط دولة الشاه، وصعود سلطة الملالي بمساعدة العالم الغربي ذاته، يهدِّد كل رئيس أمريكي بمهاجمة إيران، ويضع سيناريوهات مهاجمتها على الطاولة، بدءاً من عرّاب حرب النجوم، الصقر رونالد ريجان، وخليفته بوش الأب، ثم بيل كلينتون، وليس انتهاءً بالصقر الآخر بوش الابن، وحتى باراك أوباما، العاشق المتيم بإيران وحضارتها، كان لا ينسى في خضم خضوعه للملالي أن يُذكِّر العالم بأن إيران عدو، وبالتالي فكل الخيارات متاحة للتعامل معها، ولكن لم يحدث أن تمت ترجمة تهديد إيران إلى واقع، حتى عندما اعتقلت جنوداً أمريكيين، وأهانتهم، وداست كبرياء أمريكا العظمى، تحت نظر رئيسها أوباما ونائبه جوزيف بايدن، وهذا أمر يستعصي على الفهم، ويثير التساؤلات، حول أدوار هذه الدولة، التي يحكمها نظام ديني فاشي توسعي غاشم.

 

الرئيس ترمب كان يصرِّح خلال حملته الانتخابية ضد الاتفاق النووي مع إيران، الذي يرى أنه مجحفاً بحق أمريكا، ويؤكد أن ملالي طهران استغلوا ضعف أوباما، فباعوا عليه الوهم، وحصلوا على الأموال الطائلة، التي استخدموها للتوسع، ولدعم التنظيمات المتطرِّفة في كل مكان، وفي المقابل لم تحصل أمريكا على شيء يستحق، وعلى عكس معظم الساسة، فقد نفَّذ ترمب وعده، وانسحب من الاتفاق النووي، ثم أعلن عن عقوبات ضدها، ولا زال كل شيء يشير إلى أن هناك نيَّة جادة للوقوف ضد الأطماع الإيرانية، والحد من سياساتها التوسعية، ودعمها للتنظيمات المتطرِّفة، وكان آخر ذلك تحديد الثاني من مايو، لإلغاء الاستثناءات من العقوبات المفروضة على إيران، ما يعني أن النيَّة جادة هذه المرة لمحاصرة النظام الإيراني، على أمل أن يعود إلى رشده، ويتعاون مع المجتمع الدولي في مساعيه لتحقيق الأمن والسلام، فهل من الممكن أن يحدث ذلك؟!

 

 

* نقلا عن صحيفة الجزيرة السعودية

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية