جولة ميدانية في الساحل الغربي.. «رمضان يجي مع امخير حقه وِامتَهَايِم بالنصر موعود»
على أبواب رمضان المفتوحة للخير يقف اليمنيون في طوابير الروحانية صفاً مستوياً ينتظرون حلول الشهر الكريم متجاوزين آلامهم المتشبثة بهم والملقاة عليهم بأيدي مليشيا البغي والكهنوت، لتشكل –أي تلك الآلام- ثقلاً يرزح تحته سكان اليمن بالذات منهم المنتشرون في أراضٍ تسيطر عليها مليشيا الإرهاب؛ لكن الصبر المتجذر في الروح اليمانية والراسخ في شخصية الإنسان اليمني يظل القاهر الذي تتهاوى عنده نزعة الموت الحوثية، والعامل الأكثر صلابة الذي تتحطم عليه مآرب الكهنوت المدعوم من إيران.
حرب المليشيا الظالمة على شعب عُرف تاريخياً بالأصالة وصانع التقاليد والتراث وصاحب الحكمة ومالك الأصول، لم تمنع اليمنيين من ممارسة طقوسهم الرمضانية على أبهى الصور، ذلك هو ما يبدو هنا على اللوحة التهامية المزجاة بتقاليد مفعمة، حيث يتأهب الساحليون لاستقبال الشهر الكريم الذي "يجي مع امخير حقه" كما تقول مُسنةٌ سبعينية العُمر لمحرر "وكالة 2 ديسمبر" بضواحي مدينة الخوخة.
ينتقل محرران من الوكالة منذ البارحة في الساحل الغربي من المخا وصولاً إلى الدريهمي لرصد استعدادات الناس لاستقبال شهر رمضان، واستطلاع انطباعاتهم وهم على وعد تفصله أيام ليحل عليهم شهر رمضان المبارك، فلم يكن ثمة من يتشاءم أو يتضجر من هذه المناسبة، الجميع مغمورون بالألق يسابقون الزمن ليكملوا الاستعداد إلى أن تبدأ المواقيت الرمضانية بالدخول.
في المخا بدت السوق مزدحمة، تتسابق النساء والرجال فيها معاً بالمتاجر لشراء "المحلبية والنشأ، والأطباق، والدقيق، وملء اسطوانات الغاز، وتوفير كافة اللوازم المطلوبة لتحضير الوجبات الرمضانية". يحدث ذلك أثناء قيام الشاب منصور بنصب دكانه الخشبي والذي سيصنع "السمبوسة، والباجية والبطاطا المقلية منذ أول يومِ في رمضان". وفقاً لحديثه للمحرر.
تقول فاطمة وهي امرأة التقاها المحرر صباحاً رفقة طفليها في سوق مدينة الخوخة إنها انتهت كليا من الاستعداد لشهر رمضان و"خرجتُ للسوق لأشتري بعض الحاجات (...) رمضان هذا العام يختلف عن الأعوام اللي راحت، حياتنا بأمان ومستقرة وكل شيء متوفر والحمد لله". تضيف " كنا أيام الحوثي نعيش خوف وقلق ونموت في الحماء (الصيف) والآن توفرت لنا الكهرباء والأمن والإغاثة وأهلاُ برمضان وخيره"..
ويتوقع محمد حجي صاحب متجر خضروات ومواد غذائية في السوق أن ترتفع أرباحه في رمضان مقارنة بالأشهر الأخرى، يقول عطفاً على ذلك: "الحمد لله على قرب شهر رمضان، رغم أني أكثر شهر أتساعد فيه مع الناس فأنا أربح ربحا مضاعفا بفضل الله، الحمد لله أننا بأمان وعافية وتحت حماية الدولة، رمضان هذي السنة نشعر أنه سيكون الأفضل منذ 5 سنوات".
في المُجيليس أقصى الشمال الغربي للتحيتا، يتحضر الناس لإقامة مراسيم رمضانية خاصة، سيجتمع البالغون كلهم في مسجد القرية كل مساء لتناول الفطور وتأدية الصلاة ثم الخروج لإقامة سهرات رمضانية تطول في الغالب حتى الفجر، وهذه الخطوة تقام سنوياً لــ "زرع المحبة والتآلف والتسامح بين قلوب الناس وتطهير النفوس" كما يرى محمد منصر، أحد أبناء المنطقة متحدثاً لـ "وكالة 2 ديسمبر".
فرحة سكان الساحل الغربي بحلول رمضان لا تبدو مكتملة رغم كبر حجمها، فبقاء المليشيا الحوثية في مناطق بالحديدة وأولها المدينة يحز في نفوس الساحليين بالألم، الجميع تحدوهم الرغبة بأن تكتمل الفرحة بتطهير كامل المحافظة من وجود مليشيا البغي والكهنوت.
وخلافاً لما هو الوضع في المناطق المحررة من أمن وأمان تسودها في ظل انتعاش الحياة، تتراكم المصائب على سكان مدينة الحديدة والمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون إلى درجة أن السكان هناك يتمنون ألا يزورهم رمضان في وضعهم البائس المتدهور إلى الأسوأ نتيجة البطش الكهنوتي.
تترجم أمنيات سكان الحديدة بالخلاص من المليشيا الحوثية في الغضب النافر في صدور سكان المدينة والذين ينتظرون اليوم قبل غد دحر مليشيا الكهنوت من مناطقهم، كما ترى يسرى القاطنة بالمدينة بأن "رمضان لن يكون مكتمل الفرحة والحوثيون ما زالوا متواجدين في الحديدة ينهبون الناس".
وكان السكان في المدينة يؤملون على المساعدات الإنسانية لإعانتهم على التخلص من مأزقهم، إلا أنهم الآن لا يربطون آمالهم بها في ظل التواجد الحوثي الذي يعمل على "نهب المساعدات وسرقة حقوق الناس وتوزيعها لأصحابهم وأحيانا يبيعوها للناس" وفقاً لما يؤكده للوكالة مواطن فضل عدم ذكر اسمه.
الصورة الباهتة التي اعتاد عليها سكان الساحل الغربي قبيل حضور شهر رمضان في السنوات التي جثت فيها المليشيا على المنطقة، تتلاشى اليوم أمام معانٍ مقدسة في استحضار العادات والتقاليد وملء الأنفس بالروحانية التي تُفعم الحياة في رمضان، فلا مكان متاحا لليأس والقنوط، ولا مخاوف تحجب قلوب الناس عن التأهب لاستقبال شهر الفضائل.