وسائل إعلام: إسطنبول وأهلها في زمن أردوغان.. من البندورة إلى "الخرامي"
لم يكن أحد الصحفيين بموقع "سكاي نيوز عربية" يعتقد أنه سيقضي جولته السياحية في تركيا، وهو يراكم خيبات أمل الأتراك من سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث يبدو الاستياء الشعبي واضحا والامتعاض جليا.
وكانت لهجة الأتراك مرة تجاه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بلادهم، فما إن يبدأ أحدهم الحديث عن ظروف المعيشة اليومية، إلا وتشعر بالألم، الذي يتكبدونه في ظل صعوبة الحياة، وانعدام الأمل في قادة البلاد.
وخلال تواجد صحفي "سكاي نيوز عربية" في رحلة لمدة أيام بإسطنبول، تابع مشاهد عدة واستمع لعدد من الشهادات العفوية، التي تؤكد بشكل ملموس ما ينشر في التقارير الإعلامية اليومية، وتفضح زيف خطاب الرئيس أردوغان ومن معه.
ومن دون سابق إنذار، شرع سائق سيارة أجرة في سرد معاناته اليومية من جراء ارتفاع تكاليف الحياة وانتشار اللاجئين في مختلف شوارع المدينة، قائلا "ما وصلنا إليه يندى له الجبين، فبعدما كانت أوضاعنا مريحة، أصبحنا اليوم نقاتل من أجل قوت يومنا".
وأشار، بإنجليزيته المتواضعة، تحديدا إلى ارتفاع أسعار السلع والمنتجات، ضاربا المثل بسعر كيلو الطماطم "البندورة" الذي بلغ عشرة ليرات بعدما كان سعره ليرة واحدة قبل زمن ليس ببعيد.
وبطريقة مواطن الشارع التي تمس "عصبا حساسا" تساءل آخر باستنكار عن كيفية ادعاء البعض أن أردوغان زعيم سياسي محنك، معتبرا أنه لو كان الأمر كذلك لكان ينبغي أن ينعكس ذلك على سعر الليرة المتهاوي في مواجهة الدولار، وعلى الأسعار التي تؤرق الأتراك.
وتابع السائق بلهجة تجمع بين المرارة والسخرية: "خياراتنا باتت محدودة والمعيشة أصبحت صعبة، كل ما وصلنا إليه سببه أردوغان (الخرامي)"، وهو وصف لا يصعب فهمه ساقه الرجل على طريقته الخاصة.
لهجة موظف الاستقبال في أحد الفنادق، الموجودة في مركز المدينة، قرب شارع تقسيم الشهير، لم تختلف كثيرا، إذ شدد على ممارسات لم تكن شائعة في السابق من تلاعب سائقين بأجرة النقل، وحتى انتشار أوراق نقدية مزورة، مرجعا السبب لتراجع المستوى الاقتصادي فضلا عن الزحام الشديد وانتشار الأجانب.
سائق آخر تحدث عن ممارسة انتخابية "خبيثة" لأردوغان وحزبه تتعلق بمنح الجنسية التركية لمئات الآلاف من الأجانب المتواجدين في البلاد، والاستفادة لاحقا من أصواتهم الانتخابية التي ستصبح مضمونة، بطبيعة الحال، لحزب "العدالة والتنمية".
والمثير أن تلك التكتيكات لم تنفع أردوغان كثيرا، إذ مني حزبه بهزيمة يمكن اعتبارها تاريخية في الانتخابات البلدية الأخيرة في إسطنبول.
ويمني المواطنون المقيمون في إسطنبول النفس في أن تشهد المدينة قفزة نوعية بعد تفوق حزبالشعب الجمهوري المعارض على حزب "العدالة والتنمية"، الذي ظل يقود المدينة منذ مدة طويلة.
ويقول مواطنون إن مرشح حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو، يمكن أن يخرج إسطنبول من الأزمة التي تعيشها، مشيرين إلى أن هزيمة حزب أردوغان تؤكد السخط الشعبي من سياساته، وتبين أن الشعب التركي اكتشف "الخدعة الأردوغانية".
لكن الخدعة الأردوغانية تبدو متجلية حتى بعد الهزيمة، إذ لا يزال حزب العدالة والتنمية يرفض الرضوخ للأمر الواقع والاستسلام للهزيمة، التي تلقاها، بعد أن خسر انتخابات إسطنبول، رغم أنها انتهت منذ نحو 3 أسابيع.
وفي حين أعلن مرشح حزب الشعب، أكرم إمام أوغلو، توليه منصب رئيس بلدية إسطنبول، يواصل الحزب الحاكم تقديم الالتماسات لإلغاء وإعادة إجراء الانتخابات المحلية.
أما الأكثر طرافة فيتمثل في أن واجهات المباني وأسطح البنايات تكتظ في إسطنبول بصور واحدة لا تتغير لأردوغان ومرشحه لبلدية إسطنبول، بن علي يلدريم، مع عبارة مختصرة تقول "شكرا إسطنبول".. وهو الشكر الذي يتنافى مع نتيجة الانتخابات، وعلى الأرجح مع ما يكنه كثير من سكان إسطنبول لأردوغان وسياساته وحزبه.
الأرقام تتحدث
ساهمت سياسة أردوغان المالية وحروبه السياسية والاقتصادية، وتدخله في شؤون البنك المركزي التركي، في انتشار الفساد المالي وتدهور قيمة العملية المحلية وارتفاع تكاليف المعيشة، مما انعكس سلبا على حياة المواطن اليومية.
وتشير المعطيات الاقتصادية إلى أن الوضع في تركيا ليس بخير، حيث تشهد عملة البلاد انخفاضات متكررة، آخرها، السبت، حين هبطت إلى أدنى مستوى لها في 6 أشهر، مع تصاعد القلق من الاحتياطيات الأجنبية.
وكانت الليرة فقدت، في أواخر العام الماضي، نحو 30 بالمئة من قيمتها أمام الدولار، بعد توتر العلاقات مع الولايات المتحدة.
كما تواجه ميزانية البلاد ارتفاعا في العجز الذي تشهده، إذ أظهرت أرقام شهر أبريل عجزا قدره 24.5 مليار ليرة (4.24 مليار دولار)، ارتفاعا من 16.8 مليار ليرة في مارس.
وسجل معدل نمو الاقتصاد التركي هو الآخر تدهورا ملحوظا بنهاية عام 2018، ليصل إلى 2.6 في المئة، مقابل 7.4 في المئة في 2017.
وتصر حكومة أردوغان على القول إن الأزمة الاقتصادية الحالية "مؤقتة"، وناجمة عما وصفته "حربا اقتصادية" خارجية، فيما يؤكد خبراء أن الاقتصاد يعاني من أزمة هيكلية تستدعي إجراءات جذرية لإصلاحه.