لقد صار من الصعوبة بمكان التحدث عن دور إيجابي للأمم المتحدة في اليمن مع وجود مرتين غريفيث الممثل الشخصي للأمين العام في هذا البلد، الذي يبدو وكأن المنظمة الدولية تتخذه حقل تجارب لاختبار إمكانيات موظفيها من جهة، ولزيادة أرصدتهم المالية من جهة ثانية.

 

لم يعد هناك حتى يمني عاقل ومراقب حصيف للأحداث يثق في شخص غريفيث ونشاطه ورؤيته للحل، خاصة في ظل صمته المريب عن جرائم الإماميين في الحديدة وانتهاكهم لوقف إطلاق النار الذي لم يتوقف ساعة واحدة، إضافة لرفضهم تنفيذ أي بند من بنود اتفاقية السويد، بل على العكس أهانوا الأمم المتحدة ومندوبها وموظفيها وفريق مراقبيها الذي أصبح تحت رحمة مليشياتهم.

 

حيثُما ذهبت في اليمن قد تسمع عبارات تتهكم على المندوب الأممي، من قبيل:" غريفيث بدرالدين الحوثي، غريفيث خامنئي، غريفيث نصرالله" وأي شخص سيقول لك أيضا: "دعك من غريفيث بدرالدين الذي لا نعول عليه أبدا، لقد خان اليمنيين وخان نفسه"

 

كلمة حق تُقال: غريفيث لم يضف لسيرته الذاتية إلا لعنات اليمنيين وأسر المخطوفين والمخفيين قسرا وضحايا قذائف الحوثية في الحديدة، ولم يقدم لعملية السلام في اليمن أي نقطة إيجابية أو انعطافة حقيقية، بل تحول من عامل مساعد للحل والوصول إلى سلام وفق المرجعيات الثلاث، إلى عامل مساعد للتعقيد والدفع باتجاه تعزيز وضع المليشيات المدعومة من إيران ورفع منسوب الطائفية التي تتبناها هذه الجماعة المرفوضة محليا وإقليميا.

 

وبتعبير آخر يرى اليمنيون والقوى السياسية والحقوقيون- وهم معذورون بالطبع - السيد غريفيث بأنه غير مرغوب فيه البتة، وغدا وجوده عامل إحباط لدى الشارع الذي اقتنع بعدم جديته، سيما بعد كل جولة يقوم بها وبعد كل تسويف ومبرر ممجوج يقدمه للعالم حول عدم التزام الحوثية بتنفيذ اتفاق السويد ودرجة استعدادها المنعدم أساسا للسلام.

 

وهو الأمر الذي دفع بالسواد الأعظم من الناس لاتهامه بإفراغ قرارات مجلس الأمن من مضمونها وفي مقدمتها وأهمها القرار (2216 ) الصادر تحت الفصل السابع، ومحاولة تمييعه بقرارات ركيكة من أجل فرض خيارات لا تخدم المصلحة العليا للشّعب اليمني واستعادة دولته بقدر ما تخدم محور إيران والتنظيمات الإرهابية وحالة اللا استقرار في هذا البلد والمنطقة.

 

ونعترف بأننا كُنّا ولا زلنا ننظر له أيضا، بأنه من حال دون استكمال القوات المشتركة تحرير مدينة وموانئ الحديدة الثلاث في الوقت الذي كانت فيه مليشيات الإماميين في رمقها الأخير، وكان بالإمكان دحرها وتخليص ما تبقى من الساحل الغربي خاصّة واليمن عموما من شرورها، ونتائج استمرار تواجدها لليوم في المدينة والموانئ وتهريبها للسلاح الإيراني ونهبها للمساعدات الإنسانية.

 

لذلك لا نُذيع سراً حينما ننقل لكم صورة من الواقع الذي يقول إن اليمنيين يعتقدون بأن السيد غريفيث -  مع كامل احترامنا له - قد عمل ويعمل بصورة مباشرة أو غير مباشرة على إطالة عمر الحوثية، وتمكينها من استعادة أنفاسها وترتيب صفوفها وحفر الخنادق وتوسيع مساحة الأراضي المزروعة بالألغام والتضييق على المدنيين في الحديدة.

 

ما يعني أن عملية استكمال تحرير ما تبقى من المدينة والموانئ الثلاثة، والتي لا مفر منها أصلا، ستكون مكلفة بعد أن كانت ( قبل اتفاقية ستوكهولم الخادعة) ستتم بوقت سريع وبأقل تكلفة في الجانبين البشري وجانب البنى التحتية.

 

وغني عن البيان القول إن اللغة التي يستخدمها أخونا مارتن، سواء خلال إحاطاته لمجلس الأمن أو تصريحاته الصحفية مطاطية ومكررة ومستهلكة ، لا طائل منها على الاطلاق، ويكاد يتساوى قولها مع عدمه، مع فارق أن تكرارها والتلاعب بها من تقديم وتأخير تُعتبرُ استهتارا  بعقول الملايين واستمتاعا بمعاناتهم.

 

ناهيك - وهذا موضوع آخر- أنها تُعرّض سمعة الأمم المتحدة للتشويه وتجعلها تقف على المحك، من حيثُ المصداقية والجدية في التعاطي مع هذا الملف الذي يخشى الكثير من أن يُصبح جوهره الأساس عبارة عن وظائف وتكسُّب وصفقات ربحية، سيما بعد أن أعلن قبل عدة أيام عن رواتب ونثريات فلكية يتقاضاها فريق مراقبي إعادة الانتشار في الحديدة والتي تبلغ خلال شهرين تقريبا بحدود ( 18) مليون دولار بينما يموت الأطفال وكبار السن جوعا ومرضا.

 

وفي ظل وجود مداخيل مالية للموظفين الأمميين بهذا الكم، فهذا بحد ذاته يُثير الشبهات ويبعث على الشك فيما يخص مصداقية وحيادية الموظفين، وربما قد يجعلهم هذا النعيم، غير مهتمين بالحل ووضع العالم في صورة ما يجري وكشف الطرف المعرقل ، بقدر ما يتركّز اهتمامهم على استمرار الرواتب والنثريات.

 

وتأسيسا على ما سبق، نحن في الواقع أمام تحدٍ حقيقي للسلام ولجهود الأمم المتحدة في اليمن ومدى قبول اليمنيين لها من عدمه بعد اليوم، حيثُ لا يختلف اثنان على ضرورة إنهاء جهود ومهمة السيد غريفيث والبحث عن مندوب آخر مناسب ومحايد، أو ترك المسألة للقرار( 2 216) وبنادق القوات المشتركة ومن خلفها الشعب اليمني ومؤسسات دولته والتحالف العربي، فهؤلاء وحدهم من سيقرر حق السيطرة على كامل الساحل الغربي الذي سيحدد ملامح المرحلة القادمة ويغير كثيرا من المعادلة العسكرية والسياسية.

 

وخلاصة القول.. في ظننا أنه صار أشرف للسيد غريفيث تقديم استقالته والإشفاق على نفسه وعلى المنظمة الدولية، وبلده (بريطانيا) من كل هذا الهوان والتهم بالخيانة والانبطاح للحوثية وإيران بطريقة مذلة ومعيبة ولم تعد تخفى حتى على الأطفال والصم والبكم والمعاقين ذهنيا.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية