أصغرهم في شهره الرابع.. 11طفلاً قتلت المليشيات أبويهم بالحديدة فبدلت حياتهم إلى جحيم
من أبلغ الصور المأساوية التي يصادفها محررو "وكالة 2 ديسمبر"، كانت عند ملاحظتهم أحد عشر طفلاً ومعهم شاب بدا عليه أن الحياة حملته هموماً لا تطاق. كنا في طريقنا إلى مديرية حيس والتقينا هذه الأسرة تتجه نحو مخيم آل جابر في جولة البحث عن الأمل، فاستوقفتنا تفاصيل إنسانية فيها، أكثرها تأثيرا كان مشهد طفل رضيع في شهره الرابع يقضمه الجوع فلم تجد شقيقته سوى الماء لإطعامه.
يقول الشاب المرافق لهم عطفاً على سؤالنا عمن هم، أن "هؤلاء الأطفال أيتام فقدوا أباهم وأمهم قبل 20 يوما بحيس، قتلهما الحوثيون بلغم، والآن يتنقلون من مكان إلى مكان يدوروا من يساعدهم".
ويدعى الأب الشهيد فتيني بشارة، وزوجته علياء بشارة، إضافة إلى أختها جهدة بشارة، وكلهم استشهدوا في الحادثة ونقلوا إلى المناطق الآمنة لإجراء مراسم الدفن لهم، لكن أطفالهم لم يستطيعوا الحضور للمشاركة في الجنازة نظراً لخطورة الخروج بسبب قنص المليشيات الحوثية.
وفقاً لحديث الشاب وهو عم الأطفال، فإن أباهم وأمهم استشهدا برفقة خالتهم إثر انفجار لغم أرضي -زرعته المليشيات الحوثية- بدراجة نارية كانت تقلهم في منعطف القاحزي ببلدة آل بشارة شمال غربي مديرية حيس. يضيف: "عثرنا عليهم أشلاء مُختلطة بحديد الدراجة النارية الممزق". وبحسرة يستأنف "قتلونا الحوثة وقتلنا الجوع".
ما تزال الفتاة نظيرة ذات الخمسة عشر ربيعا، وهي أكبر فرد بالعائلة تحاول إسكات أخيها الرضيع الذي لم يتناول الحليب منذ يوم، وقد يموت في أي لحظة إن لم يجد الحليب، لكن عملا إنسانياً حدث هناك مكنها من شراء حليب وإرضاعه.
كان الصغار أثناء حديثنا إلى عمها المعروف باسم علي عباس يجثون قرب صحفة فارغة ويملؤونها بالتراب.. إنهم صغار لم يعوا ألم فراق أبويهم ويحاولون اللعب لتناسي ما حدث، لكن أمجد ذا الرابعة من العمر سألنا فجأة "إذا جئتم تدورا أبي، أبي قد مات، وأمي ماتت معه هي وخالتي".
يكاد المشهد أن يفيض بالدمع عند معرفة تفاصيل القصة، أطفال لم يجدوا ملبساً ولا مأكل كافٍ، ولا مأوى يحتوي عزلتهم وغربتهم، وما يزالون يتقاسمون ألم الفقد بين قلوبهم الصغيرة، وأختهم الأكبر ترعاهم بما أوتيت من قوة، وما امتلكته من وقت تسخره للبكاء على أبويها الراحلين.
لم يتمالك وائل علي، الفتى ذو العاشرة من العمر وهو أكبر الفتية الذكور، لم يتمالك نفسه عن البكاء وبدأ يذرف الدمع حينما سألناه عن شعوره لخسارته أمه وأبيه، أجهش بالبكاء وأجاب "ما حد يصلح لنا أكل، وما حد يسأل علينا". وطرحنا عليه سؤالا آخر لكنه غرق في البكاء فلم يستطع الإجابة.
جريمة الحوثيين بحق هؤلاء الأطفال واحدة من الجرائم التي يعجز الواصف عن سرد تفاصليها، لما بها من مأساة كبيرة تركتها المليشيا الكهنوتية على جبين الإنسانية، وأحالت فيها حياة أطفال إلى جحيم ليس فيه سوى الحزن والبكاء.
حاولنا أن نسأل بقية الأطفال عن شعورهم الآن بعد رحيل آبائهم، لكن البكاء غلب على المشهد، وعزف البعض عن الحديث نظراً لحالتهم النفسية الصعبة، ووضعهم المعيشي المزري.
والجريمة هذه لم تستثن أسرة أخرى مكونة من ثمانية أفراد، وهي أسرة جهدة شقيقة عليا، واللتين قتلتا سوياً في الحادثة، وقد ذاق أبناء الأخيرة ذات الحزن الذي ذاقه أبناء شقيقتها، غير أن هؤلاء حظوا ببقاء أبيهم على قيد الحياة.