كان مؤسس الحركة الحوثية حسين بدر الدين الحوثي يعيد إلى أسماع أتباعه حكاية مؤداها إن اليهود كانوا إذا اشترى أحدهم علبة سجائر فأن أول ما يبدأ به أنه يخرج "الحبة" الأولى من العلبة ويضعها في صندوق خصص لوضع هذه "الحبات"، فتجمع وتعلب من جديد ثم تباع، وترسل القيمة إلى صهاينة في فلسطين لكي يعدوا بها الجيش الذي سيقيم دولة إسرائيل.. لم يتسن لنا التأكد من صحة هذه الحكاية، أما ما صح عن حسين الحوثي وبلسانه، أنه كان دائم الإلحاح على أتباعه بضرورة الاستعداد لمعركة وشيكة هدفها الدفاع عن دين الإسلام وأرض اليمن وأعراض وأموال أهلها.. حيث سيتوجب عليهم خوض حرب وشيكة ضد قوات المارينز الأمريكية التي أرسلتها إدارة الرئيس بوش وهي في طريقها الآن لغزو اليمن واحتلاله. وقبل ذلك يتوجب على كل فرد في الجماعة أنه حين يشري من السوق حزمة قات بخمسمائة ريال مثلا فعليه بالمقابل تخصيص مائة ريال منها لشراء السلاح، وفي أقل تقدير- مراعاة لأهل الإعسار- يجب أن تتوافر للجماعة رصاصة واحدة يقدمها كل عضو يوميا.

 

لم ترسل الإدارة الأمريكية قواتها العسكرية لغزو اليمن، ولم يكن شباب ورجال الحركة متشوقين لمنازلة عدو وهمي اخترعه لهم السيد حسين الحوثي، فقد كانوا يدركون من مجمل الدروس التي يلقيها على مسامعهم أن ميدان الحرب الحقيقي هو اليمن، أما الأسلحة فقد كانت متوافرة في كهوف جبال صعدة أولا، التي ظلت تتسع باستمرار لشحنات الأسلحة الجديدة التي تقدمها جمهورية إيران الإسلامية لحركة تمرد مثالية، هي لم ترق بعد إلى مستوى حزب الله في جنوب لبنان، لكنها تسعى أن تكون.

 

 

تمرد 2004 مستمر الآن

في يونيو 2004 بدأت الحركة الحوثية الحرب التي كان يعد لها مؤسسها حسين وداعموه.. لم تكن تلك الحرب ضد قوات عسكرية أمريكية لم تغز اليمن ولا تفكر به، كان ميدان الحرب وموضوعها وهدفها اليمن.. قررت الحركة التمرد ضد الدولة ووجودها في محافظة صعدة.. مهدت لذلك بجباية الموارد السيادية والمحلية لتمويل انشطتها، وأحلت نفسها محل السلطة المحلية ثم شرعت تتصرف كسلطة مستقلة.. كانت تلك هي البداية.. لبعض الوقت ظلت سيطرة حركة التمرد محصورة في بعض مناطق محافظة صعدة، لكنها امتدت بالتدريج بسبب ملابسات وعوامل داخلية وخارجية، حتى شملت هذه السيطرة مركز السلطة في العاصمة صنعاء عصر يوم 12 سبتمبر 2014، واليوم نجن في عام 2018، وما يزال التمرد المسلح مستمرا والحرب مستمرة، الأمر الذي دفع بعض المراقبين إلى تصنيف حركة التمرد المسلح الحوثية، ضمن حركات مسلحة قليلة في التاريخ المعاصر استطاعت الإبقاء على حالة التمرد لأطول فترة، وأوسع نطاقا وأشد قسوة، وأسوأ تأثيرا في حياة السكان.

 

وبالطبع يظل دور العامل الخارجي الفعال حاسما في هذه النتائج، فالحركة الحوثية تحظى بدعم عسكري وسياسي ومالي ومعنوي مصدره جمهورية إيران الإسلامية وهي قوة إقليمية كبيرة.

 

منذ بدايات التمرد المسلح عام 2004 ظلت الحكومة اليمنية تبذل جهودا متعددة وفي كل الاتجاهات لتحاشي الحلول الأمنية أو الزج بالجيش في قضية داخلية.. كان الرئيس علي عبد الله صالح يرسل لجان وساطة تارة من شخصيات اجتماعية، وتارة من علماء دين زيديين، وتارة برلمانيين لإقناع حسين الحوثي التخلي عن العنف ومن الأفضل أن ينتقل للعيش في العاصمة صنعاء متمتعا بحقه في حرية الفكر وحرية التعبير، ويتعين على جماعته تسليم ما بحوزتها من الأسلحة التي لا يجوز لأحد غير الدولة تملكها، وأن تكف الجماعة عن التدخل في شئون السلطة المحلية، بل إن مهمة إحدى اللجان كانت تنحصر في اقناع حسين الحوثي القدوم إلى صنعاء لمقابلة رئيس الجمهورية شخصيا لتوضيح مطالبه التي من المحتمل أن يكون الوسطاء غير دقيقين في التعبير عنها.. رفضت الحركة كل تلك المساعي، فاضطرت الحكومة إلى استخدام القوة في مواجهة التمرد المسلح، وانتهى ذلك إلى مقتل حسين الحوثي في أحد الكهوف في شهر سبتمبر من العام نفسه.. وكان الاعتقاد أن التمرد قد انتهى، غير أن الجماعة واصلت التمرد المسلح، فشرقت به وغربت.

 

الحلقة الأولى من ملف تنشرة "وكالة 2 ديسمبر"

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية