إضافة إلى صلة التزويد الأمريكي والإسرائيلي إيران بالسلاح، بسياسات مرتبطة بمسألة الحرب الباردة دولياً، وبإضعاف المنظومة العربية إقليمياً، فقد كانت هناك دوافع أخرى لها علاقة باتفاقيات كامب دايفيد، والانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبرز على المشهد قضية الرهائن الأمريكيين في السفارة الأمريكية بطهران عقب انتصار ثورة الخميني، ثم الرهائن الأمريكيين في لبنان، وما لهما من دور تبريري في تزويد إيران بالسلاح، غير أننا سنركز على الأولى لدورها المفصلي في الموضوع.

 

بعد انتصار ثورة الخميني، حاصرت مجموعات ماركسية السفارة الأمريكية بطهران، في حين واجههم مؤيدو الخميني، إلا أن سماح الولايات المتحدة الأمريكية للشاه المعزول بالعلاج في أحد المستشفيات الأمريكية في أكتوبر 1979م، أثار أنصار الخميني الذين طالبوا بتسليمه لإيران ومحاكمته، وقاموا في نوفمبر باحتجاز أكثر من ستين دبلوماسياً، وموظفاً، وجنود مارينز في السفارة الأمريكية بطهران، فدخلت قضية الرهائن كعامل حاسم في المنافسة الانتخابية بين الرئيس الأمريكي المرشح لفترة تالية عن الحزب الديمقراطي جيمي كارتر، وبين مرشح الحزب الجمهوري، رونالد ريغان، المدعوم من المسيحية الصهيونية، واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة.

 

نجح كارتر في دفع الطرفين المصري والإسرائيلي في العام 1978م إلى توقيع اتفاقية سلام، عرفت باتفاقيات كامب دايفيد، بين الرئيس المصري أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، وأدى هذا الاتفاق إلى عزل مصر عن محيطها العربي واتخاذ الدول العربية بقيادة عراقية نشطة إجراءات عقابية ضد نظام السادات، بيد أن مقابل التزام المصريين بما يخصهم في الاتفاقيات تنصلت إسرائيل من بنود جوهرية متعلقة بالفلسطينيين، أهمها إيقاف المستوطنات، وسحب القوات الإسرائيلية من غزة والضفة الغربية، ما جعل الموقف المصري حرجاً بشكل أكبر أمام العرب، فمارس السادات ضغوطاً على كارتر كراعي للاتفاق، الذي كان هو الآخر في حرج دولي، غير إمكانية تحول الاتفاق من  مؤشر إيجابي في شعبيته داخل أمريكا إلى مشكلة في معركته الانتخابية القادمة، فحاول الضغط على إسرائيل لتنفيذ ما يخصها، ما أدى باللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة إلى استخدام ثقله لصالح ريغان، لتخليص الدولة الإسرائيلية من ضغوط الإدارة الإمريكية بقيادة كارتر.

 

وهنا تلاقت مصالح إسرائيل، وريغان في إسقاط كارتر، مع حاجة إيران الخميني لاستمرار الدعم بالسلاح في حربها المحتملة مع العراق، بل إن هذا قد يكون مؤشراً لاتفاق بين الدول الثلاث على إسقاط المشروع القومي العراقي، كما توضح ذلك أكثر بعد الفشل الإيراني في المهمة والتدخل الأمريكي المباشر، في 1991م ثم في 2003م وتسليم العراق لإيران لقمة سائغة.

 

كانت قضية الرهائن هي الورقة الرابحة في تحقيق أهداف مثلث ريغان، الخميني، بيغن، خصوصاً مع رفض الخميني التعاطي مع إدارة كارتر باتجاه إطلاق الرهائن، حتى مع موت الشاه، السبب المباشر والمعلن من أنصار الخميني لاحتجاز الرهائن، وزاد الطين بلة في طريق كارتر للاستمرار في البيت الأبيض فشل عملية عسكرية أمريكية في إيران لإطلاق الرهائن أحد أسبابها عاصفة رملية- طبعاً استثمرها الخميني دعائياً باعتبارها تأييداً إلهياً لنظامه- فيما أعطت انطباعاً عن عجز كارتر في الدفاع عن شرف أمته، ما قلص حظوظه أكثر.

 

أما ريغان فقد عمل جاهداً على إفشال أية جهود من إدارة كارتر تسفر عن إطلاق الرهائن قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبسبب خوفه من قيام الرئيس كارتر بمفاجأة من خلال الإفراج عن الرهائن، استخدم ريغان مدير حملته – الذي اصبح مدير المخابرات الأمريكية بعد فوز ريغان – من أجل متابعة اتفاق "أسلحة من أجل الرهائن السري مع إيران"، وكان لهذا الاتفاق، دور في تمويل ثوار الكونترا ضد النظام الشيوعي في نيكاركوا، الذي عارضه الكونغرس الأمريكي.

 

كان كارتر بحاجة لرصيد تاريخي حتى وإن فشل في الانتخابات فخطط للسفر إلى ألمانيا لاستقبال الرهائن، إلا أن فريق ريغان وعد الإيرانيين بمزيد من الأسلحة غير القانونية إذا أخروا توقيع اتفاق إطلاقهم، وبالفعل أخر الإيرانيون إطلاق الرهائن بعد انتهاء ريغان من القسم كرئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية، ووقتها أعلن الخميني يوم تنصيب ريغان في 20 يناير 1981م أن "إرادة الله تقتضي الآن بعدم الاحتفاظ بالأمريكان كرهائن". وهكذا كانت ورقة الرهائن وسيلة فعالة في التخلص من كارتر وحصول إيران على الأسلحة ضد العراق، ونظام ولاية الفقيه على تعاطف شعبي داخلي ساعده في التخلص من القوى السياسية غير الموالية.

 

وبالمناسبة، بعد شهرين فقط من توقف الحرب العراقية الإيرانية أصدرت إدارة ريغان قرارات عقابية ضد العراق.

 

سلسلة حلقات تنشرها وكالة 2 ديسمبر من ملف بعنوان (السرطان الفارسي) – الحلقة الثانية عشر..

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية