منذ أكثر من خمسين يوما والهدوء يسود مدينة الحديدة، ليس لأنها آمنة، بل العكس ما يحدث، إنما لأن المدينة عُزلت كليا عن أنظار وأسماع العالم إلا من صيحات محدودة تذيعها ألسن المدنيين المعرضين لبطش المليشيات وانتهاكاتها اليومية، وخلال هذه الفترة المشارفة على بلوغ الشهرين، تحدث الفظائع في المدينة على أيدي مليشيات الكهنوت دونما حراك حقوقي دولي ينقذ أبناء هذه المدينة.

 

لا يُعلم شيءٌ عن آلاف المدنيين في أروقة المدينة التي تحولت على أيدي الحوثيين إلى سجن كبير، انقطعت الأنباء عن كثيرين منذ قطع المليشيات لشبكات الاتصال الأرضي والإنترنت بمختلف أنواعه، وحوصرت المدينة بطريقة حوثية ناقمة؛ خطوة اتخذها الحوثيون لممارسة بشاعتهم بصمت وحرية ظالمة.

 

ورافقت عملية عزل المدينة عن العالم بهذا الأسلوب، عمليات دهم واعتقال طالت مئات الشبان والمدنيين العزل، بتهم باطلة تسوقها المليشيات الإرهابية لتشريع أعمالها العدوانية ضد أبناء أولى المدن المسالمة على مستوى البلاد؛ حيث تشير الأرقام إلى مئات المعتقلين تم اختطافهم خلال فترة الهدنة فقط، دون وجود رقم دقيق نتيجة انقطاع الاتصال بمصادر الرصد المُطلعة، والشهود المحليين، في المدينة.

 

وتعليقاً على حالة العزلة المفروضة بالمدينة يعلق الصحافي بسيم الجناني في صفحته على فيسبوك قائلاً "للشهر الثاني، الحوثيون يقطعون الإنترنت عن شعب أعزل مسالم تحيط بهم مدافع الحوثي ومسلحيه ومخبريه، وحملات اختطاف متواصلة وقمع لم يستثنِ أحداً". يضيف متسائلاً بكمد "أي رعب وخوف تعيشه هذه الجماعة لتحجب عن المواطنين خدمة الإنترنت".

 

وشكل الضغط الشعبي من قبل أبناء الحديدة لكشف جرائم الانقلابيين خلال الفترة الماضية عاملاً مهما لبث الرعب في صفوف المليشيات، حيث اتخذ كثير من النشطاء منصات وسائل التواصل الاجتماعي لكشف جرائم الحوثيين وانتهاكاتهم بالصوت والصورة عبر توثيق ما يحدث بالمدينة ونشره للجميع.

 

ووثقت جرائم حوثية في السابق، مثل نشر المتاريس والحاويات في الأسواق والشوارع وتهجير السكان من بيوتهم، والتموضع في الأحياء السكنية، ونشر القوات والآليات العسكرية وسط المدنيين، ما شكل ضغطاً شعبياً وحقوقيا ضد جماعة الكهنوت، لتحاول كبح فظائعها بقطعها وسائل التواصل مع السكان في المدينة، ورفع وتيرة الاعتداءات ضد المدنيين العزل.

 

وكان نشطاء من أبناء الحديدة يسعون إلى مخاطبة رئيس بعثة الأمم المتحدة باتريك كاميرت لاتخاذ موقف يلزم المليشيات الحوثية بإعادة تفعيل شبكات الاتصال والإنترنت في المدينة كون الأمر لا علاقة له بالحرب، إلا أنهم لم يتمكنوا من إيصال بلاغهم إلى طاولة كاميرت جراء التشديدات الأمنية التي تفرضها المليشيات الحوثية عليهم.

 

والمخاوف كبيرة من استمرار جماعة الموت الكهنوتية بابتزاز المدنيين خارج حسابات الزمان والمكان، مستغلة الوضع المغلق للمدينة لممارسة جرائمها بكل أريحية، مع غياب المنظمات الحقوقية الدولية المتهاونة في اتخاذ موقف صارم تجاه ما يرتكبه الحوثيون في الحديدة.

 

ويبرر الانقلابيون لجوأهم إلى قطع شبكات الاتصال على سكان المدينة، بأنه إجراء محسوب ضمن الإجراءات الأمنية التي يقومون بها. وهو ادعاء يناقض واقع الحال بدليل ما يقومون به من حملات أمنية شعواء غيبت أبناء المدينة في السجون والمعتقلات بشكل لم يسبق له مثيل.

 

وينتظر أبناء الحديدة بآمال يبدو عليها التشظي موقفا حقوقيا تتخذه المنظمات الحقوقية لكف أيدي الحوثيين عن خدمات لا علاقة لها بالحرب، بالذات مع انقطاع اتصال كثيرين بأهاليهم وذويهم ممن هجروا من المدينة أو نزحوا منها بفعل الضغوط الحوثية والجرائم البشعة التي طالتهم.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية