في خطابه أواخر الشهر الماضي قال زعيم مليشيا الحوثيين انه  "يأمل أن لا يأتي شهر رمضان إلا وقد أنجز البرلمان قانون الزكاة لتعزيز حالة المواساة في الداخل"، مشيرا إلى مشروع القانون المقدم من قبل سلطاته إلى النواب الواقعين تحت السلطة الحوثية في صنعاء.

 

وأثار هذا القانون جدلاً في الأوساط الإعلامية باعتباره محاولة حوثية للمزيد من السطو على مقدرات اليمنيين وما تبقى في جيوبهم.

 

وتوحي مواد ما أسماه الحوثيون "قانون الزكاة والرعاية الاجتماعية" بعزمهم تتبع خطى سلطات الملالي في إيران لجهة زيادة موارد الجماعة الحاكمة، الدينية بطبيعتها، من خلال إقرار ما عرف فقهياً بـ"الخُمس" وتوسيع قاعدة الأنواع الموجبة له.

 

ويُعد القانون الحوثي الجديد بديلاً لقانون الزكاة النافذ الصادر في تسعينيات القرن الماضي، وقانون الرعاية الاجتماعية، وبعض نصوص قانون السلطة المحلية الصادرين في العقد الفائت.

 

وبموجب مشروع القانون، إذا ما تم تمريره، ستدمج عدد من المؤسسات أهمها مصلحة الواجبات، وصندوق الرعاية الاجتماعية في جهاز إداري جديد بمسمى "الهيئة العامة للزكاة والرعاية الاجتماعية" يتبع رئيس الجمهورية مباشرة، ويحرم المجتمعات المحلية الاستفادة من عائدات الزكاة كأحد أهم مواردها وفق قانون السلطة المحلية.

 

وتضمن المشروع توسيع قاعدة الموارد الزكوية كما نصت الفقرة الأولى في المادة (29) المنظمة لزكاة الدخل بإيجاب الزكاة على "دخول الأشخاص الطبيعيين من ذوي المهن الحرة بمختلف أنواعها والحرفيين وما في حكمهم"، في حين حصرت المادة (19) في القانون النافذ هذا النوع من الزكاة في ثمانية أنشطة خاصة بينها المستشفيات والمدارس والمعاهد والجامعات الخاصة، إضافة إلى ابتزازه المغتربين في دفع زكاة على أموالهم في الخارج بصرف النظر عن إمكانية أن يكون هذا الخارج دولة إسلامية تنفذ أحكام الضرائب الزكوية.

 

لكن أخطر ما في مشروع القانون الحوثي بحسب مراقبين يتعلق بالنصوص الخاصة بالخُمس ووجوبه فيما يسمى بالركاز.

 

اجتهادات فقهية

تكاد التعريفات الفقهية للركاز تتفق في أنه ما استخرج من الأرض من ذهب أو فضة من دفن الجاهلية، وبنظر فقهاء فإن ما عثر عليه من ذهب وفضة دفنه المسلمون يعتبر لُقطة.

 

واختلف الفقهاء في وجوب الزكاة على ما استخرج من الأرض، إذ أوجبها بعضهم على الذهب والفضة فقط، وفقاً للمذهب الشافعي الغالب في اليمن، أو على كل معدن غير مائع بحسب الحنفية المتفقة في الفروع مع المذهب الزيدي الذي ينتمي إليه مابين ربع وثلث اليمنيين، فيما أوجبها رأي ثالث على كل ما استخرج ويمكن أن يكون مالاً.

 

وكذلك من الفقهاء، فيهم الشافعية، أوجبوا في هذا النوع من الأموال ربع العشر (2.5 بالمئة) قياساً على زكاة الذهب والفضة المنصوص عليها في الأحاديث النبوية، بينما أوجب آخرون الخُمس قياساً على غنائم الحرب.

 

وبخصوص مصارف زكاة الركاز حددها الشافعية بثمانية أصناف، ذكرها القانون الجديد والسابق، تشمل الفقراء والمساكين، العاملين عليها، المؤلفة قلوبهم، في الركاب، الغارمون، في سبيل الله وابن السبيل، ورأت الحنفية صرفها في ذات مصارف غنائم الحرب المحددة بـ الله، الرسول، ذوي القربى، اليتامى، المساكين، وابن السبيل.

 

القائلون بالمصارف الأخيرة اختلفوا في نسبة التوزيع، وما إذا كانت حصة الرسول وقرابته قد رفعت بموته، وعما إذا كان ذوو القربى هم قرابة الإمام، أكان الرسول أو غيره، بل واختلف الفقهاء في تحديد من هم قرابة الرسول.

 

وبمقابل الاجتهادات السابقة توسع رأي المؤسسة الدينية الطائفية في إيران بإيجاب الخُمس على ما استخرج من باطن الأرض والبحر وكل مال اختلط فيه الحلال والحرام، وكل دخل زاد عن الحاجة.

 

تأميم سلالي

تعدى مشروع القانون الحوثي الاجتهادات الفقهية الدينية للمذاهب الرئيسية في اليمن، وتوسع في أنواع الركاز حتى شمل الكثير من الأنشطة الاقتصادية، فجاء نص المادة (30) في القانون الجديد ليوجب الخُمس "في الركاز والمعادن المستخرجة من البر والبحر ظاهراً كان منها أو باطناً سائلاً أو جامداً ويشمل ذلك سائر المعادن من الذهب والفضة والنحاس والعقيق والزمرد والفيروز والنفط والغاز والقير والأحجار والكري والنيس والزئبق والملح وكل ما كان له قيمة من المعادن صح الإستثمار فيه كالمياه المعدنية ومصانع الطوب ومقاطع الأحجار والكسارات والآبار الإرتوازية التي يقوم ملاكها ببيع المياه ونحوها وعلى الوجه المبين تفصيلاً في اللائحة". ما اعتبره مهتمون تأميما جزئيا لممتلكات الناس، واستيلاء على نسبه كبيرة من عائدات النفط والغاز لصالح مجموعة سلالية تستبعد الكثير من المواطنين اليمنيين فيهم منتمون للحركة الحوثية ذاتها، يؤكده تحديد مادة أخرى مصارف الخُمس في الأصناف الستة، وتجنب القانون تعريف "ذوي القربى" في مادة التعريفات محيلا التعريف إلى اللائحة التنفيذية، فيما حدد المقصود من بقية الأصناف.

 

ويرى مهتمون أنه من الناحية العملية فقد أحيل صنف اليتامى إلى المشمولين بالرعاية الاجتماعية ضمن فئتي الفقراء والمساكين، وبذلك تكون أصناف المساكين وابن السبيل محالة إلى جانب اليتامى على المصارف الثمانية، إضافة إلى أن مصرفي الله والرسول ستكون من اختصاص رأس الدولة "الإمام" حسب الرأي الفقهي الديني، ما يجعل المصرف الفعلي لخمس موارد الأنشطة المشمولة بالمادة (30) هو صنف ذوي القربى، الذي يعني في المرجعيات الحوثية سلالة يُزعم أنها تلتقي عرقياً مع النبي، ويستدعي منح صكوك اعتراف من الجماعة .

 

ويضيف المراقبون أن ذلك يذهب بمئات الملايين من الدولارات، وعشرات المليارات إلى جيوب فئة، من اليمنيين فقط، بل وجزء من الحوثيين، دون وجه حق مخالفة للدستور في نصه المؤكد على تساوي اليمنيين في الحقوق والواجبات العامة.

 

وينتظر اليمنيون موقف النواب المتبقين في صنعاء من أكبر عملية ابتزاز يتعرضون لها في تاريخهم الحديث والمعاصر.

 

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية