لسنوات طويلة، ظل وادي الضباب- غربي مدينة تعز- معروفًا بغزارة مياهه؛ فالجريان فيه لم يكن يتوقف إلا لفترات قصيرة قبل أن يعود مع أول أمطار الموسم. كان الصيف يأتي بمياهه المنحدرة عبر المرتفعات، بينما يحل الشتاء بانقطاع الأمطار، لكن الوادي كان يحتفظ بتدفقه لأشهر طويلة.

اعتمد المزارعون على هذا الجريان الطبيعي لري أراضيهم، خصوصًا محاصيل الخضروات والذرة، دون الحاجة إلى الآبار التي لطالما شكلت المصدر الرئيسي لمياه المدينة. غير أن تلك الآبار نفسها بدأت- خلال السنوات الأخيرة- تعاني من تراجع منسوب المياه ونضوبها التدريجي، في مؤشر مبكر على أزمة آخذة في الاتساع.

اليوم تغير المشهد بالكامل، فالجريان الذي كان يميز وادي الضباب تراجع على نحو واضح، والخط الرئيسي المؤدي إلى مدينة تعز لم يعد يشهد تلك المياه الدائمة التي كانت تنساب بمحاذاته، ما يشير الى أن تعز تواجه واحدة من أسوأ موجات الجفاف في تاريخها.


- أزمات مياه متكررة

على مدى السنوات العشر الماضية، واجهت مدينة تعز أزمات مائية متكررة تفاقمت حدتها بفعل الحصار الذي تفرضه مليشيا الحوثي وسيطرتها على أحواض المياه في منطقة الحوبان شرقي المدينة، ومنع تدفقها إلى داخل تعز. وكانت هذه الأحواض تمثل المصدر الرئيسي لمياه الشرب والاستخدام اليومي قبل الانقلاب، لكن مع انقطاعها بدأت المدينة تعيش مرحلة متصاعدة من الشح المائي.

وخلال العامين الماضيين، بلغت الأزمة ذروتها، لتصل إلى أسوأ مستوياتها بين مايو وأغسطس من العام 2025، حين شهدت تعز انعدامًا شبه تام لمياه الشرب. ورغم عودة الأمطار خلال أغسطس وسبتمبر، فإنها تراجعت تدريجيًا في أكتوبر وتوقفت كليًا في نوفمبر الجاري، ما جعل تأثيرها محدودًا أمام حجم الجفاف القائم.

ويؤكد مختصون في الموارد المائية أن كميات الأمطار التي هطلت خلال الأشهر الماضية، لم تكن كافية لتعويض آثار الجفاف الشديد، ولا لإحداث تحسن ملموس في الوضع المائي بالمحافظة. فقد بقيت مستويات المياه أقل بكثير من المعدلات الطبيعية اللازمة لإعادة تغذية الآبار الجوفية والأحواض، خصوصًا حوض الضباب والمجاري المائية المرتبطة به.

 

- لم تعد المياه إلى مجراها

يقول عبد الكريم عبدالله، أحد مزارعي وادي الضباب المتضررين من شح المياه؛ إن المنطقة لم تعرف مثل هذا الجفاف من قبل، وإن جريان الوادي لم يسبق أن انقطع لأكثر من تسعة أشهر متواصلة كما يحدث حاليًا.

ويضيف في حديثه لـ"وكالة 2 ديسمبر" أن الأمطار التي هطلت خلال الأشهر الماضية، لم تكن كافية لإعادة المياه إلى مجراها الطبيعي في الوادي كما كان معتادًا، مشيرًا إلى أن الآبار لا تزال تعاني من انخفاض حاد في منسوبها ولم تستعد غزارتها التي اعتاد عليها المزارعون لسنوات.

ويتابع بقلق: "نحن ما زلنا في بداية الشتاء، وهذا الجفاف مخيف. إذا كانت البداية بهذا الشكل، فكيف سنواجه الأشهر المقبلة من الموسم؟!".


- تعز أمام شبح الجفاف

اليوم تقف تعز أمام شبح جفاف حقيقي، بعد أن توقف جريان المياه في وادي الضباب وتراجعت مستويات الآبار الجوفية إلى حد غير مسبوق. هذا النضوب المتسارع بات يهدد حياة السكان، ويدفع المدينة نحو موجة جفاف قاسية لم تشهد مثيلًا منذ سنوات.

وفي ظل هذا الوضع، تبدو تعز بحاجة ملحة إلى حلول جذرية تعالج الأزمة من جذورها، وفي مقدمتها استكمال مشروع مياه الشيخ زايد، باعتباره مشروعًا مستدامًا قادرًا على تزويد المدينة بإمدادات مائية مستقرة تمنع تكرار الأزمة خلال السنوات القادمة.

 

- كابوس مؤرق

وتُمثل أزمة المياه بتعز وما خلفته من معاناة كبيرة لدى المواطنين كابوسًا مؤرقًا، بعدما تحول الحصول على 10 لترات فقط من مياه الشرب إلى حلم صعب المنال لآلاف الأسر التي كانت تقف في طوابير طويلة حتى ساعات متأخرة من الليل بحثًا عن المياه وبأسعار مضاعفة.

كما ارتفعت أسعار مياه الاستخدام اليومي بشكل جنوني؛ إذ كان المواطن ينتظر دوره في تعبئة خزان بسعة 1500 لتر بسعر 45 ألف ريال، فيما وصل سعر صهريج المياه بسعة 6000 لتر إلى نحو 180 ألف، في مؤشر يعكس حجم المعاناة التي خلفتها أزمة المياه في تعز.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية