بعد تلقيه الكثير من صفعات الاختراق والاستهداف لرموز نظامه، لم يعد قادرًا على استعادة توازنه، واستيعاب نقاط الاختلال التي قادته إلى الضعف الأمني وفقدان التماسك والانضباط في إدارة سلطته، وحده الشك من انتصب كدرع حصين في ردة فعله لاكتشاف منافذ الغدر، والشروع بخطوات إجرائية منبثقة للتغلب على الخوف المتفشي في كيانه، المفارقة أن هذا الشك لم يتجه صوب خصومه، بل انصب نحو أتباعه والمخلصين لسلطته.

بدأت تتجلى ملامح هذا المستوى من التفكير السياسي في اتساع دائرة الاعتقال التي طالت عددًا من أنصاره على رأسهم ياسر الحوري ناطق مجلسه السياسي الأعلى، مثل هذا الإشكال يكشف أن الجماعة تعاني تأزمًا داخليًا وغياب الثقة بين الدوائر الضيقة لسلطة الجماعة وبين رجال الصف الثاني والثالث القريبة من تلك الدوائر.

لم يكن هذا الشك بمنأى عن صراع الأجنحة داخل الجماعة، الذي اتسع مجاله إبان هزائم الضربات الاستهدافية للقيادات، حيث استغل الوضع القائم ليطعن كل جناح بولاء وإخلاص نظيره المناوئ له في النفوذ والسيطرة والقرب من رأس الهرم.

فثمة تآكل داخلي صامت يطحن البنية العميقة للسلطة الحوثية، ويزيد من حدة الانقسام البيني، وتضييق الخناق على شخصيات تحوم حولها الشكوك والشبهات، وهذا بدوره سيؤدي إلى سحب بساط المناصب واقتصارها على الأسرة الحوثية الحاكمة دون غيرها من الأسر السلالية المشاركة في المناصب العليا الأمنية والعسكرية، كون التوافق بينها وبين عائلة عبدالملك لم يعد ذا قيمة في سياسة المرحلة المقبلة المليئة بالمخاوف وهواجس الغدر والخيانة.

فعندما كانت فكرة التخوين السلاح الأقرب والأشمل لإدانة كل معارض ومناوئ بحق وبغير حق غدت الفكرة ذاتها أداة احتماء تطبق على الأتباع والمناصرين بعد عجز السلطة في العثور على متهم حقيقي توجه له سهام الاتهام بما جرى، وهذا يؤكد فقدان السيطرة على تمييز العدو من الصديق والمخلص من الخائن، ويعد الأمر مؤشرًا على بدء زمن التفكك الداخلي.

حتى وإن كان الشكل الخارجي الظاهر يبدو متماسكًا إلى حد ما، ولكن تأثير هذا التأزم الداخلي العميق _ لا شك _ سينعكس عليه قريبًا، وسنشهد عدة انشقاقات ومواقف متبدلة ناجمة من صلب التأزم، فالسلطة حين يصيبها هذا الداء تفقد توازنها وتصبح عاجزة عن ضبط بوصلتها وسد الفراغات المتشعبة في التسلسل الهرمي لقياداتها.

فهناك الكثير من القرارات التي اتخذت بصمت بناءً على ماهية هذا العراك، لكنها ما زالت طي الكتمان، وهناك عدة سياسات فرضت مؤخرًا هدفت إلى تفريغ نفوذ وقوة كل من وضعت عليه دوائر حمراء، وتصوير تلك السياسات على أنها مجرد مهام اتخذت؛ بينما في الحقيقة كانت بداية لتقليص الثقة ببعض القيادات وتقليص دوائر نفوذها لصالح قيادات جديدة ليس لها شبهات من وجهة نظر قائد الجماعة وحاشيته.

لا تريد الجماعة انكشاف ثقتها المهزوزة بعناصرها والانقضاض على تلك العناصر بشكل جماعي، وإنما تتعامل بحذر وهدوء وجعل الأمر يحتمل الحقيقة والوهم في نظر المستهدفين من أتباعها حتى لا يستبقوا قراراتها بخطوات احترازية تجنبهم أية مكيدة تحاك ضدهم، ولا يتحولون إلى أعداء حقيقيين ويدفعهم الخوف للانضمام للطرف الآخر.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية