تحليل| أبين في مرمى الإرهاب مجددًا.. قراءة في دلالات التوقيت والأسلوب والموقع
عاد تنظيم القاعدة إلى واجهة الأحداث مجددًا بعد هجوم دموي وقع صباح اليوم الثلاثاء، مستهدفًا المجمع الحكومي في مديرية المحفد بمحافظة أبين، جنوبي البلاد، في عملية وصفت بأنها الأعنف منذ سنوات، ما أعاد إلى الأذهان موجات العنف التي تبناها التنظيم في مراحل سابقة قبل أن تتراجع بفعل العمليات الأمنية المكثفة ضده المدعومة من التحالف العربي وأبرزها عملية "سهام الشرق".
الهجوم، الذي استخدم فيه التنظيم سيارتين مفخختين لاستهداف قوات من اللواء الأول دعم وإسناد، أسفر عن استشهاد أربعة جنود وإصابة آخرين، إلى جانب مصرع خمسة من المهاجمين الانتحاريين، ورغم فشل العملية في تحقيق أهدافها الميدانية، فإنها حملت دلالات لافتة من حيث الأسلوب والتوقيت والموقع.
من الناحية التكتيكية، عاد التنظيم إلى اعتماد أساليبه القديمة المتمثلة بالسيارات المفخخة والانغماسيين، بعد فترةٍ اتجه فيها إلى استخدام الطائرات المسيّرة والكمائن المحدودة، وهي وسائل (المسيّرات) انتقلت إليه عبر دعم مباشر لكن غير معلن من مليشيا الحوثي، في سياق علاقة تبادل مصالح بين الطرفين تتجاوز البعد الأيديولوجي إلى وظيفة عملياتية مشتركة تستهدف القوات الشرعية.
توقيت العملية أثار تساؤلات لدى مراقبين اعتبروا أن الهجوم لا يمكن فصله عن تنامي دينامية التنسيق الميداني بين الحوثيين والتنظيم، إذ غالبًا ما يتزامن نشاط القاعدة مع تصعيد الحوثيين في جبهات أخرى أو تعرضهم لضغوط داخلية، في ما يبدو أنه تقاسم أدوار يتيح للطرفين تقويض الاستقرار في المناطق المحررة وتشتيت القوات المناوئة لهما.
أما من حيث الموقع، فقد اختار التنظيم هذه المرة مديرية المحفد، البعيدة عن تمركزاته التقليدية في البيضاء وشبوة، ما يشير إلى محاولة تنفيذ عملية مباغتة في نطاق غير متوقع، غير أن التقديرات ترجح أن الهدف الأساسي للهجوم كان تحقيق نصر معنوي عبر السيطرة المؤقتة على المجمع الحكومي ورفع رايات التنظيم وإعلان إسقاط المديرية، وهو ما لم يتحقق بفعل يقظة القوات التي تصدت له.
حتى اللحظة، ما تزال محافظة البيضاء- الرازحة تحت سيطرة مليشيا الحوثي- تمثل العمق اللوجستي والمأوى لعناصر القاعدة، إذ وفرت- خلال السنوات الماضية- ملاذًا آمنًا لإعادة التنظيم ترتيب صفوفه عقب خسائره الكبيرة في أبين وشبوة، ومنها انطلقت هجمات متفرقة للتنظيم الإرهابي في أبين.
ويرى محللون أن استمرار هذه الأنماط من التنسيق غير المعلن يعكس تقاطعًا مصلحيًا بين الحوثيين والقاعدة برعاية إيران التي تستضيف على أراضيها زعيم التنظيم الإرهابي "سيف العدل" منذ سنوات، حيث تستفيد المليشيا من تصعيد التنظيم في الجنوب لإرباك خصومها وتشتيت جهودهم، بينما يسعى التنظيم لإثبات حضوره والتقاط أنفاسه واستعادة نفوذه بعد سنوات من التراجع.
ولا يمكن إغفال البُعد الإيراني في توجيه مثل هذه الأنشطة، إذ تشير تقارير، بما في ذلك لوزارة الخارجية الأميركية، إلى أن طهران لعبت دورًا في تسهيل تحركات تنظيم القاعدة منذ عام 2009 على الأقل، من خلال توفير قنوات اتصال آمنة مكنت التنظيم من تحويل الأموال ونقل المقاتلين إلى مناطق صراع متفرقة، فضلًا عن إيواء عدد من قياداته البارزة داخل الأراضي الإيرانية.
ويخلص المحللون إلى أن هذا التصاعد قد يشير إلى عودة محتملة لدورة جديدة من العنف الإرهابي، وأن تطورات العلاقة الميدانية بين الحوثيين تزداد وضوحًا مع مرور الوقت، في ظل ما يبدو أنه تفاهم غير معلن يقوم على تقاسم الأدوار الميدانية وتبادل المنافع التكتيكية.
ويُرجح أن استمرار هذا النمط من التنسيق سيجعل من المناطق المحررة ساحة مفتوحة لاضطرابات أمنية متكررة، ما لم تُتخذ إجراءات أكثر حزمًا وصرامة لمواجهة هذا الخطر المزدوج وتبني استراتيجية وطنية موحدة لمكافحة الإرهاب.