العراق.. إلغاء إقالة الفياض رسالة مبكّرة لعادل عبدالمهدي
الميليشيات ترسم الخطوط الحمر لإصلاحات رئيس الوزراء العراقي المكلّف عادل عبدالمهدي.
تشمل الإصلاحات المنشودة التي يجري الحديث عنها بكثافة في العراق مع تكليف رئيس جديد للحكومة، ترميم هيبة الدولة وضبط فوضى السلاح وتفكيك مراكز القرار الموازية والأجسام شبه العسكرية التي تنازعها سيطرتها على الأرض وتحكّمها بقرارها الأمني.
ويصطدم إنجاز هذا الجزء الحيوي من العملية الإصلاحية المنشودة، بسلطة الميليشيات الشيعية التي ازدادت قوّة بفعل مشاركتها في الحرب على تنظيم داعش ضمن الهيكل المعروف بالحشد الشعبي، وما تلقّته من تمويل وتسليح بعضه إيراني وبعضه الآخر من عتاد وأموال الدولة، وأيضا بفعل ما حقّقته من إنجازات على الأرض أكسبت قادتها شعبية لدى بعض الشرائح والأوساط ما شجّعهم على تشكيل ذراع سياسية للحشد تمثّلت بـ”تحالف الفتح”، بقيادة أحد أبرز قادة الميليشيات في العراق، هادي العامري زعيم منظّمة بدر.
وتمّ إضفاء طابع رسمي على الفصائل المشكّلة للحشد الشعبي بإدماجها ضمن القوات المسلّحة العراقية، وإدخالها صوريا تحت إمرة القائد العام لتلك القوات الذي هو رئيس الوزراء نفسه، بينما زمام قيادتها الفعلي بأيدي قادتها الأصليين غير المستعدّين تحت أي ظرف للتنازل عن ميليشياتهم التي تمثّل سبب قوّتهم.
ويجزم متابعون للشأن العراقي، بأنّه لا خيار أمام رئيس الوزراء المكلّف عادل عبدالمهدي، مهما بلغت قدرته على إنجاز إصلاحات، سوى أن يتعايش مع الميليشيات، وأن يحرص على أن لا تتناقض إصلاحاته مع مصالح قادتها. بعد أن أصبح وجود تلك التشكيلات أمرا شبه مسلّم به في العراق.
وفي حال تجرّأ عبدالمهدي على المساس بالميليشيات وحاول تفكيكها فإنّه سيكون مفتقرا للدعم من غالبية الساسة الشيعة النافذين، نظرا لكون هؤلاء الساسة يمتلكون ميليشيات مسلّحة، بمن في ذلك رجل الدين مقتدى الصدر، الذي يعتبر من أكبر داعمي رئيس الوزراء المكلّف، ويقدّم نفسه كأكبر زعيم إصلاحي في العراق راهنا.
وينتقد الصدر الميليشيات وينعتها بـ“الوقحة” مع أنّه يقود إحداها، وهي ميليشيا سرايا السلام التي كانت بدورها قد شاركت في الحرب على داعش، وما تزال تمسك بأجزاء من الأراضي التي ساهمت في استعادتها من التنظيم.
وتلقّى عبدالمهدي رسالة أولية بشأن سطوة الميليشيات وقادتها، من خلال تمكّن فالح الفيّاض من العودة إلى مناصبه الحكومية ومن بينها منصب رئيس هيئة الحشد الشعبي الذي كان قد أقيل منه بقرار من رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي.
تبادل للخدمات بين هادي العامري أحد أقوى قادة الميليشيات ونوري المالكي ذي النفوذ الكبير في الجهاز القضائي وأعلن الاثنين عن صدور قرار قضائي بإلغاء قرار العبادي القاضي بإعفاء الفياض من مناصبه وإعادته إلى جميع مناصبه.
وورد في بيان لمكتب الفياض أنّ “محكمة القضاء الإداري ألغت الاثنين قرار رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي القاضي بإقالة مستشار الأمن الوطني ورئيس جهاز الأمن الوطني ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض” و“قررت إعادته إلى جميع مناصبه الحكومية”.
وأضاف المكتب أن "مصدرا في المحكمة أبلغنا أن الإلغاء جاء على اعتبار أن المسوغ الذي وضعه العبادي لإقالة الفياض غير مقنع ولا قانوني ولا يستند إلى الدستور".
وكان حيدر العبادي قد أصدر، في أغسطس الماضي أمرا بإعفاء فالح الفياض من مهامه مستشارا للأمن الوطني ورئاسة هيئة الحشد الشعبي وجهاز الأمن الوطني، لجمعه بين العمل السياسي والعمل الأمني وما يفرضه الأخير من تجرّد وحيادية.
ولم يستغرب مراقبون أن تُنسف كل القرارات التي اتخذها رئيس الوزراء المنتهية ولايته، بعد أن خسر السباق نحو الاستمرار في منصبه لولاية ثانية.
وقال ناشط سياسي عراقي معلّقا على الحكم القضائي لمصلحة الفياض إنّ “القضاء العراقي ليس مسيسا فحسب، بل وأيضا هناك شبهات كثيرة تدينه بالولاء لشخص رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بشكل خاص”، ويضيف ذات الناشط طالبا عدم ذكر اسمه "لأن المالكي قد خسر معظم مقاعده في مجلس النواب فإنه يستند في وجوده على الدعم الذي يقدمه له الحشد الشعبي متمثلا بشخص هادي العامري الذي يقف وراء تعيين فالح الفياض رئيسا لهيئة الحشد الشعبي، إضافة إلى ما يعنيه منصبه رئيسا لجهاز الأمن الوطني من خصوصية على مستوى التستر على جرائم الحشد الشعبي. وقد لا تخلو تلك الخطوة المغطاة بطريقة قانونية من محاولة استباقية لما يمكن أن يقرره رئيس الوزراء المكلف عادل عبدالمهدي على صعيد إعادة النظر في وجود الحشد الذي تفوق أعباؤه المالية على الدولة العراقية ما ينفق على الجيش العراقي بالرغم من انحسار الأسباب التي أدت إلى إنشائه”، ويختم المتحدّث ذاته “ستكون عودة الفياض عقبة جديدة في طريق عبدالمهدي الذي تحاول الأحزاب شلّ قدرته على التحكّم بالقرار الأمني بدءا من اختياره وزيرا للداخلية”.
وتتحدّث مصادر عراقية عن مساع حثيثة تبذلها منظمة بدر للحفاظ على منصب وزير الداخلية الذي يتولاه القيادي في المنظمة قاسم الأعرجي، مقترحة الإبقاء على الوزير ذاته، بذريعة ضمان الاستمرارية في العمل الأمني.