تهاون أممي في ملف اليمن يرمي البلد إلى مستنقع الجوع
تتوسع موجة الجوع في اليمن على نحو غير مسبوق، لتطال ملايين اليمنيين، وتجعل 22 مليون مواطن- في البلد المُثخن بحرب المليشيات العبثية ضد شعبه- بحاجة ماسة إلى المساعدات الغذائية، وتلك هي مشيئة العالم وفي مقدمته الأمم المتحدة لجعل اليمن يموت في ركن الجزيرة العربية دون نجدة، حتى تحقق الأمم المتحدة أهدافها بمزيد من المكاسب.
مؤخراً صدر تقرير المعهد الدولي للدراسات في مجال السياسة الغذائية واضعاً اليمن في ردهات الجوع لتكون الدولة العربية الأولى الأكثر جوعاً، وهي في الأساس باتت تعاني من أسوأ كارثة إنسانية في العالم بفعل الانقلاب الحوثي، وحرب الكهنوت على اليمنيين سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، دون النظر إلى ما قد يخلفه هذا التمادي من إرث ذابح يضاف إلى أعباء اليمنيين ويثقل كواهلهم أكثر فأكثر.
وفي هذا الصدد يبدي كتاب مهتمون في الشأن اليمني انطباعاتهم إزاء هذا التجريف البشع الذي تديره الأمم المتحدة عبر كواليسها الخفية بشكل أو بآخر، لحمل اليمن على كف المصالح واستخدام الورقة اليمنية بمماطلة هدفها المزيد من الكسب، بصرف النظر عن ذاك الظلم الطاغي المتشعب والمعقد المفروض قسراً من مليشيات الكهنوت المدعومة من إيران.
المراقب لمواقف الأمم المتحدة إزاء الأزمة الإنسانية العاصفة في اليمن سيلاحظ موقفاً مخجلاً لمنظمة تخلت دون إعلان عن مبادئ ظلت تتغنى بها لزمن، وحينما تطلب المواقف إثباتها عملياً لم يُرَ منها سوى المزيد من التخاذل في التعامل بتلك القواعد.
في صنعاء تفيد مصادر «وكالة 2 ديسمبر» عن استمرار المليشيات الكهنوتية ببيع المواد الإغاثية في شوارع وأزقة المدينة المنكوبة، هذه الإغاثات تقدمها منظمات دولية لدعم اليمنيين لكن جماعة الكهنوت تعمل على نهبها ثم عرضها في السوق للبيع، وقد اتضح ذلك التصرف بمقاطع مصورة خلسة عرضتها فضائيات عربية لتكون دليل إثبات موثق.
وتمتلك المليشيات منظمات محلية حديثة الإنشاء عملت على استحداثها لذات الغرض، تدار هذه المنظمات عبر قادة حوثيين كبار، ويجري التعامل معها من قبل منظمات دولية على رأسها منظمات الأمم المتحدة في الجوانب الإغاثية والإنمائية وما إلى ذلك، غير أن المليشيات تصادر كل ما يمر عبر تلك المنظمات إلى خزائن مجهودها الحربي، لتبدو الحاجة الملحة للإغاثة في مناطق سيطرة المليشيات لا تلقى أي تجاوب رغم تدفق كميات من المساعدات الإغاثية عبر ميناء الحديدة ينهبها الحوثيون.
أزمة الجوع المستفحلة في اليمن جاءت لتراكمات على مختلف الصعد، فالإيرادات الحكومية في مناطق سيطرة المليشيات لا تعرف طريقا إلا إلى جيوب القادة الحوثيين، ومثلها الظرف الاقتصادي السيئ الناتج عن خطوات جمة مارستها المليشيات للإطاحة باقتصاد البلاد، وكذا نقص المساعدات الإغاثية لسكان المناطق التي ما تزال في مربع الوجود الحوثي. وحين الحديث عن ذلك يُتطلب لفت الانتباه إلى أن موجة الجوع تتركز في مناطق سيطرة المليشيات لنفس الأسباب المذكورة آنفاً.
الكثير من اليمنيين باتوا يسألون اليوم أنفسهم عن واقع الأمر بالنسبة للأمم المتحدة، فمن كان يربط التهاون الأممي مع حسم الحرب بناء على مصالح المنظمة، يتساءل اليوم هل يعقل أن تتماهى المنظمة اليوم مع وقائع الموت والجوع المستشري في البلاد ناظرةً إلى مصالحها لا أكثر. الجواب في حد ذاته لا يتطلب إفصاحا والواقع ينبئ بذلك.
لن تتوقف موجة الجوع الزاحفة بشغف على أجساد الفقراء والمعوزين مالم يضع المجتمع الدولي حداً لتصرفات الانقلابيين وكف عبثهم بقوت اليمنيين، وإن لم يكن قادراً على ذلك فعليه ألا يبقى حجر عثرة أمام القوى الوطنية لاستعادة الجمهورية وإنهاء هذا الموت المخيم على سماوات البلد، وفي الأخيرة أنجع الخيارات ويبدو أنها باتت أقرب من الزمن المتوقع.