مازال سكان العاصمة صنعاء والعديد من المحافظات الواقعة تحت السيطرة المليشيا الحوثية يعانون منذ أكثر من شهر أزمة خانقة في الغاز المنزلي زادت في تفاقم الحالة المعيشية المتردية بالأساس نتيجة انعدام شبه كلي للخدمات الحكومية، وانقطاع مرتبات الموظفين على مدى سنة ونصف.

 

وفي ظل إشارات إلى افتعال أزمة الغاز من قبل الحوثيين عبر ما بات يعرف لدى الشارع اليمني بـ"حكومة الظل" اللجنة الثورية ومشرفيها تقف حكومة عبدالعزيز بن حبتور عاجزة عن اتخاذ تدابير تنعكس في تخفيف معاناة المواطنين.

 

المواطن الضحية

نتيجة انعدام الغاز اضطر اليمنيون للجوء إلى بدائل بدائية، أهمها العودة إلى الأحطاب التي كانت وسيلة طهي الطعام قبل عقود.

 

يقول محمد من قرية القابل بمحافظة صنعاء إنه بات يعتمد على قطع أشجار في ممتلكاته للاستفادة منها بدلاً من الغاز.

 

ويقول صالح إنه اشترى تنور مدر بثمانية آلاف ريال ليتمكن من استخدام الحطب المتوفر في قريته بهمدان شمال غرب صنعاء.

 

وفيما يوفر أهل القرى غالباً الكلفة المالية لوجود الحطب لديهم، فإن المعاناة تظهر بحدة في المدن التي يصل سعر ربطة الحطب فيها، إلى سبعة آلاف ريال، وهو مبلغ يقارب ثمن اسطوانة الغاز من السوق السوداء.

 

ويبقى البديل الممكن لأسرة الطفل علي بمدينة صنعاء بقايا الكراتين في الشوارع، يقول علي ابن 12 عاماً إنه ينهض في السادسة صباحاً ليقوم بالعمل الموكل إليه من والدته في جمع ما يستطيع من الكراتين الممزقة وما يعثر عليه من أعواد خشب.

 

ولا تقتصر مشكلة الغاز على المنازل، إذ رافقت الأزمة آثار غير مباشرة انعكست في ارتفاع أسعار الطعام من المطاعم و "البوافي"، غير ارتفاع إيجار وسائل المواصلات التي لجأ الكثير من أصحابها إلى الغاز المنزلي لرخص ثمنه سابقا مقارنة بسعر الديزل والبنزين، فارتفع سعر المشوار بالباص في العاصمة، من خمسين ريالاً إلى مئة ليتراجع مستقراً عند سبعين ريالاً، وعم هذا الارتفاع ليشمل إيجار وسائل النقل العاملة بالديزل والبترول أسوة بالباصات المستخدمة للغاز.

 

وعلى الرغم من هم المعاناة، لم ينس اليمنيون استراق الفكاهة من أزمة الغاز، وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي الأزمة بسخرية كانتشار فيديو لاسطوانة غاز زينت بفستان عرس وإلى جانبها تنور يرتدي جنبية (الخنجر اليماني) يمثل العريس، وفي الفيديو يتعالى صوت الزفة (الاغاني الشعبية في الأعراس).

 

مبررات وابتزاز

وحيال أزمة الغاز الخانقة للمواطنين، عجزت حكومة الحوثيين في صنعاء عن تقديم مبررات مقبولة للناس فضلاً عن فشلها في معالجة المشكلة.

 

واختصر وزير المالية الحوثي حسين مقبولي أمام أعضاء مجلس النواب الواقعين تحت السطوة الحوثية أسباب انعدام مادة الغاز بقوله إن العامل الأساسي هو امتناع تجار الغاز الكبار عن تزويد المدن بالمادة، أما لماذا هذا الامتناع من التجار فهو مالم يوضحه مقبولي.

 

وأرجع وزير النفط في الحكومة الحوثية أحمد دارس الأزمة إلى عدم التزام التجار بالبيع بسعر ثلاثة آلاف ريال للإسطوانة، وتطرق إلى سبب آخر قال إنه تقطعات قبلية في بعض مناطق مأرب التي يتدفق الغاز منها، دون أن يشير إلى الفترة التي وقعت فيها هذه القطاعات في أزمة تقارب الشهرين.

 

ويبدو أن حكومة الحوثيين مازالت تفتقر حتى لبيانات خاصة بكميات الغاز المستخدمة في المدن اليمنية، إذ أشار وزير التجارة في هذه الحكومة عبده بشر إلى تشكيل لجنة من عدة جهات لتحديد كميات الغاز اللازم استيرادها لتغطية الاحتياجات.

 

ويسعى الحوثيون لتوريط ما تبقى من أعضاء مجلس النواب بصنعاء في اختصاصات تنفيذية تجلت في إشراك رئيس المجلس يحيى الراعي في التوقيع على محضر في أوائل مارس يتضمن بنوداً للتعامل مع أزمة الغاز، إضافة إلى مطالبة صريحة من الوزير مقبولي للنواب بتوفير غطاء تشريعي يساعد في استيراد الغاز وإعفاء الكميات المستورده من الرسوم الجمركية.

 

وفيما يؤكد شهود عيان تكدس مقطورات الغاز في بعض المنافذ الجمركية التي استحدثها الحوثيون خارج مدن رئيسية واقعة تحت سيطرتهم، أفاد مصدر أن سائقي المقطورات-بعد جبايات يدفعها التجار تحت مسميات مختلفة بينها دعم اللجان الشعبية التابعة للحوثيين- يضطرون لدفع مبالغ مالية إلى نقاط أمنية تصل إلى 15 ألف ريال في بعض النقاط بينها نقطة الأزرقين على مدخل صنعاء من جهة الشمال.

 

وأورد البرلماني أحمد سيف حاشد في صفحته على فيسبوك واقعة وجوده عند النائب العام المعين من قبل الحوثيين ومصادفته أحد تجار الغاز يشكو للنائب العام احتجاز مقطوراته في عمران، يسأله عما إذا كانت المشكلة "في المرتزقة بمأرب أو أصحابنا" فيجيبه التاجر "في أصحابنا" وتشكك حاشد في منشوره بافتعال الأزمة، وهو ما يعتقده كثير من المواطنين، ويؤكده الوزير بشر بقوله أمام النواب "وهناك توجه لافتعال أزمة في المشتقات النفطية".

 

ويشير متابعون إلى أن افتعال أزمة الغاز يأتي في إطاره الاقتصادي ضمن المساعي الحوثية في إنشاء اقتصاد موازي تحت سيطرتهم، بإزاحة شركة الغاز أولاً، كما حصل مع شركة النفط، ثم إزاحة التجار غير التابعين لهم بالتضييق عليهم لحرمانهم من المنافسة.

 

خدعة المعالجة

تقول حكومة الحوثيين، بحسب وزراء إنها شكلت غرفة عمليات من عدة جهات بينها الأمن القومي، والأمن السياسي، ووزارة التجارة للحد من الأزمة، إلا أن الناس وقفوا في طوابير طويلة لعدة ايام أمام محطات الغاز التي يرفض بعضها تعبئة أكثر من عشرة لترات (نصف اسطوانة).

 

يقول الحاج حسين من حي الصافية بالعاصمة إن زوجته العجوز تقف في طابور الغاز من الثامنة صباحاً وحتى الثانية عشرة ظهراً لتستلم مكانها ابنتها حتى الثالثة عصراً، ليأتي دوره إلى ساعة متأخرة من الليل.

 

ويضيف الحاج حسين إنه بعد كل هذا العناء يرفض صاحب المحطة تعبئة أزيد من عشرة لترات.

 

وفيما كانت تلك الطوابير تنتشر في المحطات بمختلف أحياء العاصمة قررت الحكومة إغلاق ما أسمته "المحطات العشوائية" رغم فتحها من قبل أصحابها بموجب تراخيص من شركة الغاز، وانتقلت مهمة التوزيع لعقال الحارات.

 

وبين دفعة وأخرى ينتظر السكان مابين عشرين يوماً إلى شهر ليتجمعوا في طوابير جديدة لدى العقال.

 

يقول عمار متهكماً إنه أبلغ عاقل حارته أن الكرت الذي أعطاه لانتظار دوره وضعه على الفرن بدلاً من اسطوانة الغاز.

 

ويقول صادق للمسؤولين في اجتماع سلطات رسمية بمحافظة إب "أخذت اسطوانات الغاز الفارغة مع قيمة الغاز إلى المندوب، والآن الناس يلاحقوني لإرجاع اسطواناتهم ولو بدون غاز وبدون فلوسهم".

 

وتشير الحكومة إلى أن من ضمن معالجاتها لأزمة الغاز التوجه للاستيراد كسراً لما وصفته "احتكار مأرب"، وذكر وزير ماليتها أنها تسعى لدعم استيراد 150 ألف طن، وقال "بحسب العروض المقدمة للاستيراد ستكلف اسطوانة الغاز أكثر من ثلاثة آلاف ريال" فلجأت إلى تكليف وزارة الاتصالات بتوفير الدولارات اللازمة للموردين من حساباتها في الخارج بسعر 400 ريال للدولار بفارق يقل عن سعر الصرف بمئة إلى مئة وثلاثين ريالاً، إضافة لطلبها من النواب بصنعاء إعفاء الشحنات المستوردة من الرسوم الضريبية والجمركية.

 

واعتبر مراقبون هذا التوجه مساندة للتجار المحسوبين على الجماعة الحوثية تتحملها خزينة الدولة ضرباً للمنافسين الآخرين من تجار مادة الغاز المنزلي.

 

وبين معارك التجارة وبناء امبراطورية الثروة الحوثية، يقف المواطن اليمني بمحافظات سلطة الحوثيين في طوابير الاستكانة والاذلال، والتذمر المتراكم في ذات الحين.

 

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية