اغتيال ثانٍ للشهيد محمد محمود الزبيري
صراعنا مع الإماميين الجدد صراع هوية بحت، وتصدٍّ مستميت لمحاولات إحلال أيديولوجيا سلالية وسياسية مقابل تاريخ وحضارة ونضال منقوش في الزمان والمكان والذاكرة، وهوية شعب عريق عكست أصالته وقيمه ورمزيته الأيقونية الدالة على مجده والمؤكدة على تاريخه، ويستحيل طمسها بنزق عابر ونقمة حاقد وهفوة عنصري جاهل.
تغيير اسم شارع الزبيري في العاصمة المغتصبة صنعاء ليس آخر خبائث الكهنوت وأحقر نوايا الطمس والإخفاء للهوية الوطنية والسجل التاريخي اليمني، وإنما هو عمل تسلسلي لمشروع التقويض الكهنوتي الناقم على الزمان والمكان والإنسان في اليمن، الطامح لاقتلاع جذوره الأزلية ودلالاته التاريخية ومسح حضوره من الوعي والذاكرة.
ما حدث ليس حباً في هنية وإنما استغلال لسياق التعاطف اليمني مع هذه الشخصية الفلسطينية، لكنّ هذا التعاطف لا يقبل البتة أن يتربع على المكان المخلد لأبي الأحرار من تصدى للإمامة وحفر قبرها، فالشهيد الزبيري ليس مجرد مناضل فرد بل تاريخ نضال شعبي وكفاح مجتمعي طويل ووهج ثوري اقترن اقتراناً كلياً بتاريخ مناهضة الكهنوت، ولا يمكن- تحت أي ظرف أو مكانة- مضاهاة تسمية متجذرة في أعماق وعينا وجمهوريتنا بتسمية طائشة لا تعنينا، ومن أقرها عدونا.
مهما اختلق الإماميون من ذرائع ولفقوا من دوافع؛ إلا أن أهدافهم مفضوحة، فما زال اليمنيون ناكرين تسمية جامع الصالح بجامع الشعب، وسيظل اسم الصالح محفوراً في ذاكرتهم وحاضراً في لغتهم، فقد تغلبت قناعتهم على بِدَع عدوهم، كما أن انحيازهم السمعي والبصري والذهني جمهوري عنيد لا يمكن ترويضه في إسطبل الكهنوت، ولا يمكن تهجينه بجينات سلالية رجعية.
يتوهم هؤلاء الدخلاء العملاء، فاقدو الانتماء، أن باستطاعتهم اجتثاث ستة عقود جمهورية وثلاثة آلاف سنة حضارة وحشرها في كهف رجعي عنصري طائفي متهور في مساعيه لجرف هذا الامتداد الزمني الطويل والجغرافيا الحرة.
سقطت أثينا بيد روما عسكرياً لكنها انتصرت عليها ثقافياً، انتصرت فلسفة وثقافة وهوية وحضارة أثينا على همجية وجهل وتخلف روما؛ وهكذا أنتم همج متخلفون سلاليون عبيد للوهم والخرافة والتشيع منبوذون، لا مكان لكم إلا في الهامش ولا مجد معكم إلا الوهم، ولا تاريخ بحوزتكم إلا الموت والدمار والرجعية.
أردتم إثبات تاريخكم الغابر الملطخ بالدم في صفحات الحاضر بعد أن طُمر في قعر الماضي السحيق، تحاولون إحياءه في أذهان العوام والقاصرين، غيرتم المناهج الجمهورية بمناهج سلالية وأفكار طائفية، حرفتم تعاليم الدين ومبادئه الثابتة وجعلتموه تابعاً لوهمكم العنصري الاصطفائي، عاديتم الفن والثقافة والإبداع وبعثتم طقوس وشعائر اللطم والنواح، بذلتم كل السبل في إقناع اليمنيين بمشروعكم ومكانتكم فزاد نفورهم منكم وقرفهم من كل شيء يمت بصلة إليكم.
الزبيري أعظم عندنا من كل رموزكم السلالية منذ بزوغ وهم أسلافكم؛ لا نقدس إلا أبطالنا اليمانيين ولا نجل إلا رموزنا الوطنيين الذين قدسوا الحرية واستشهدوا من أجلها، وورثوا لنا فكرة أن نكون أحراراً لا عبيداً لأحد، فهم قدوتنا وقادتنا وموطن فخرنا وعزتنا، وجاهنا وكرامتنا، لا نحيد عن دربهم ولا نساوم في مكانتهم.
فمن حقائق الوجود ونواميس التاريخ: أن الظلام لم ولن يغلب الضوء، وأن الوطنية قهرت الخرافة، وأن النضال داس الحقد، وأن الحرية ابتلعت العبودية، وأن كل دخيل وعميل وخائن إلى زوال، والثابت هو ابن الأرض والمستقبل.