أسرة تهامية نازحة تلخص مأساة بلدٍ بأكمله
خلف أستار التعفف والكرامة الأصيلة المتجذرة في نفوس اليمنيين، تختفي قصص كبيرة من الألم، ومآسٍ مُبكية، يسترها اليمنيون عن أبصار العالم تعففاً واتكالاً على القدر، ذلك وضعٌ متفاقمٌ من المعاناة الإنسانية فرضه الانقلاب الحوثي على البلد وتفاقم مع استمرار مليشيات الكهنوت بشن حربها العبثية على البلاد ومصادرة الأمان الذي ظل اليمنيون ينعمون به طويلاً.
في مديرية الخوخة، آخر مديريات الحديدة جنوباً، زار فريقُ «وكالة 2 ديسمبر» أسرة نازحة في المدينة، بعد أن تقصى معلومات تفيد بوجود حالة إنسانية تعيش ظروفاً قاهرةً في أحد الأماكن بالمدينة، غير أن الوصف لم يكن يشبه الواقع المليء بالقسوة لدى أسرة تلخص في معاناتها أزمة البلد بأكمله.
أثناء تصاعد قصف مليشيات الحوثية الإرهابية على منازل السكان في مديرية التحيتا، اضطرت عشرات الأسر مغادرة منازلها، وكانت أسرة مكونة من 8 أفراد لا تقوى على الخروج وهي تعيش معاناة من نوع آخر، غير أن المليشيات الحوثية أجبرتها على الرحيل، فخذلتها الأقدار وتقطعت بها السبل حتى وصلت إلى مدينة الخوخة طالبةَ الأمان.
وحينما أظلت الأسرة طريقاً يقودها إلى مسكن يخفي عنها معاناتها، التجأت إلى منزل مهجور وسط مدينة الخوخة يقع وسط مكب للنفايات وتنبعث منه روائح كريهة لا يقوى إنسان على تحملها، وهو منزل متآكل لا تصلح فيه الحياة بأقل تفاصيلها، لكن «تعفف الأسرة وتجنبها الحرج وحديث الناس» أجاز لها مضاعفة معاناتها في المهبط المُر.
يعاني أربعة من أفراد الأسرة من مرض غريب، حيث يبدؤون تدريجياً منذ طفولتهم بالإصابة بضعف النظر حتى يصلون إلى مرحلة معينة (عند الرابعة والخامسة من العمر) ويفقدون بصرهم بشكل كامل، ليصبحوا مصابين بالعمى.
أحلام وعبد الحي، ووجدان وطارق، أطفال ما زالوا في عمر الزهور ما عدا أحلام التي صارت اليوم شابة، باتوا جميعهم لا يبصرون شيئا في الحياة بعد أن عميت أبصارهم نتيجة المرض المستشري في العائلة، بينما طفلان آخران نجيا من هذه المصائب لرعاية الأشقاء المصابين، ولهم أمٌ هي الأخرى تتحمل الوزر الأكبر من هذا الابتلاء في رعاية الصبية الأكفاء.
يحكي أحد أقارب الأسرة عن «حالة من التوحد يعيشها الأطفال نتيجة عدم قدرتهم على اللعب مع أقرانهم، وملاقاتهم معاملات عنصرية في بعض الأحيان من قبل الأقران في الحي، حتى أصبحوا يفضلون البقاء في المنزل عن الخروج منه».
وتحدث أحد المختصين الطبيين للوكالة عن هذا المرض «الذي يصيب الشبكية في العين بشكل تدريجي حتى تنتهي الرؤية» لافتاً إلى أن المرض يتطلب إجراء عمليات دقيقة في عمر مبكر لضمان نسبة كبيرة من نجاح العملية. ويزيد «تكاليف العملية الواحدة لكل فرد مصاب تصل إلى 5 آلاف دولار».
عندما سألنا الأم عن مصادر لرزق التي تقوت الأبناء، أشارت إلى أيادي الخير التي تتعاون معها في بعض الأحيان، إلا أن ذلك لا يكفي وما تزال الأسرة تقاسي معاناة شاقة خاصة في موطن النزوح. تضيف «أرى أولادي وأتحسر عليهم، لا أقدر أعملهم شيء ولا وجدنا من يساعدنا بإنقاذهم».
تحدثنا إلى طارق الصغير، لكنه لم يكن يرانا، ومد يمناه يتحسس من نحن، كان يبتسم فقط ويظننا لا نراه مثلما هو لا يرانا. تتابع الأم «أعاني كثيراً في رعاية الأطفال وفي كل خطوة يخطونها يجب أن أكون معهم دائما».
وأشارت أحلام الشابة المصابة بالعمى، خلال حديث قصير معها إلى أنها أصيبت وهي طفلة وفقدت بصرها تماماً آنذاك، وأوضحت أنها التحقت بالمدرسة للتعلم وبعد فترة وجيزة حرمت من دخول المدرسة بسبب إصابتها. تقول باختصار إنها شعرت بالانتكاسة.
تأمل الأم بأن تصلها أيادي الخير، وتختتم الحديث بأنه رغم كل هذه الملمات إلا أنها ما تزال تشعر ببصيص أمل قد يأتي عن قريب.