قصة نجاح| رحلة عاصم.. بين التحديات الموسيقية والبحث عن التميُّز
أن تكون موسيقيًا في اليمن، فهذا شيء نادر جدًا، ما لم تكن موسيقيًا. بالوراثة، كأن يكون أبوك أو أحد أقاربك موسيقيًا أيضًا. وفي ظل غياب المعاهد والمدراس الفنية، فإن احتمالية أن تصبح موسيقيًا أمر بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلًا.
عاصم فائد، شاب (26 ربيعًا)، يقيم في محافظة تعز، ولديه شغف قوي تجاه الموسيقى منذُ طفولته، ورغم ندرة التوجه نحو الموسيقى في البلاد، إلا أنه يسعى بثبات لتحقيق أحلامه وترك بصمته الخاصة بين الموسيقيين اليمنيين الطموحين.
لذا؛ يقضي عاصم يومه على آلة العزف، يبتكر الألحان ويستكشف ممرات جديدة في عالم الموسيقى لم تقع أنامل أحد عليها من قبله. وعن طريق العمل الجاد والمثابرة، يسعى عاصم لإنتاج أعمال فنية مبتكرة تلهم الآخرين وتترك بصمة في المشهد الموسيقي.
أنامل تجيد الحديث
يرى عاصم أن الموسيقى لغة روحه الطليقة التي تجيد الحديث أكثر منه، وهى وسيلة للتعبير عما في نفسه من معانٍ؛ فمنذ صباهُ يجد من الموسيقى سر انسحابه إلى العالم الحقيقي.
"بدأت رحلتي الموسيقية في المدرسة، حيث انضممت إلى فريق فني مدرسي وتعلمت العزف من مسؤول الأنشطة في المدرسة. كنت عازفًا إيقاعيًا للفرقة الفنية التي تم تشكيلها. ومنذ ذلك الحين، استمريت في تعلم الموسيقى والعزف بمختلف أشكاله من خلال الإنترنت، ما زاد في حبي للموسيقى وساهم في نموي كموسيقي".. يبدأ عاصم حديثه مع وكالة "2 ديسمبر".
التحديات لا تعيق
يقول عاصم: "واجهتُ الكثير من التحديات في مسيرتي المتواضعة بالإنجازات، والحافلة بالاجتهاد، والمنتظرة المستقبل بلهفة. أولًا أنا أعيش في مجتمع متحفظ ولا تروق له الموسيقى كمهنة. لذا؛ هم يوجهون انتقاداتهم اللاذعة تجاه شغفي، إلا أنه لا يموت".
يضيف عاصم، وعلى وجهه علامات الأسى المختلطة بالإصرار، أن عائلته أيضًا لا تهتم بهذه الأمور، ولم تُحظ موهبته بأي ترحيب منهم أو تشجيع، سوى من والدته.
"الإمكانيات المادية وعدم قدرتي على اقتناء الآلات الموسيقية تحدٍّ كبير بالنسبة لي؛ لكن الصعوبة الأكبر تتمثل في عدم توفر معهد موسيقي أكاديمي في المدينة التي أعيش فيها، على الرغم من أنها عاصمة الثقافة".. يسترسل عاصم.
إنجاز متتالٍ
عاصم، الموسيقي الموهوب، يتمتع بمهارة العزف على الكيبورد (الأورغ)، وحاليًا يقوم بتعلم العزف على آلة العود وباقي الآلات الموسيقية. بفضل موهبته المتعددة، يستطيع عاصم عزف جميع أنواع الموسيقى ببراعة.
أنتج عاصم العديد من الأعمال الفنية في مجال التوزيع الموسيقي على الصعيد المحلي والدولي، رغم التحديات وقلة الموارد. من بين أعماله التوزيعية، الأوبريت الذي أنتجه لمدرسة نعمة رسام: "بلادي وروحي اليمن"، بمناسبة الذكرى الـ26 من سبتمبر المجيد. كما أنتج العديد من الأغاني، مثل "وطني حبيبي"، "ميدلي الوطن الكبير"، "الوحدة"، "بلاد الثائرين"، و"عشنا صوم".
عاصم، أيضًا، قام بإنتاج الهوية الصوتية والموسيقى التصويرية لبرنامج "آية وراية"، المُذاع على قناة السعيدة، بالإضافة إلى الموسيقى التصويرية لفيلم "نتقاسم اللقمة".
وعاصم كذلك الموزع الموسيقي لأغنية "مش غلط"، التي أثارت جدلًا واسعًا في البلاد. وقد قام بإنتاج العديد من الأغاني الخاصة وأغاني حفلات التخرج في اليمن، بالإضافة إلى أعمال تخرج لطلاب أكاديمية في جيبوتي. بفضل إبداعه وتفانيه، يستمر عاصم في إثراء المشهد الموسيقي بأعماله الرائعة.
الداعم الوحيد
يتمتع عاصم بفرصة عمل مميزة في مؤسسة ميون للإنتاج الفني والإعلامي، والتي تشهد تألقًا ملحوظًا في مجال الفن والإعلام، وفي هذه المؤسسة، يتاح له المجال الواسع للتعبير عن إبداعه وتطوير مهاراته الموسيقية؛ إذ توفر له مجموعة متنوعة من الآلات الموسيقية، الأمر الذي يساعده على صقل موهبته وتحقيق إنتاج فني متميز.
وعن دور مؤسسة ميون في بناء مهاراته ودعمه الفني، يقول عاصم: "إن مؤسسة ميون قدّمت لي الدعم الكبير وفتحت لي أبواب الإبداع؛ فقد وفروا لي العديد من الآلات الموسيقية وأتاحوا لي المجال للتعبير الفني بحرية. ولذلك؛ أعتبر ميون الشريك الأكبر والداعم الأساسي في تطور مهاراتي الموسيقية وتحقيق إنتاجات فنية رائعة". بفضل هذه الفرصة القيمة، يستطيع عاصم تحقيق إبداعات متميزة وتألق فني لافت في مجاله.
مدير مؤسسة ميون "سام البحيري"، يتحدث بفخر عن عاصم، واصفًا إياه بأنه: "الشاب الموهوب في مجال التوزيع الموسيقي، يُعد إضافة كبيرة للمشهد الموسيقي اليمني. على الرغم من صغر سنه، إلا أنه يحجز مكانته بين العمالقة في هذا المجال، وكل الأعمال التي ننفذها معه تنال إعجاب الجميع وتتصدر المشهد اليمني".
يضيف البحيري، وهو صحفي مهتم بالفن اليمني، أن "عاصم يعمل في مؤسسة ميون منذ تأسيسها، ويتميز بابتكاره في إيجاد حلول موسيقية، وجهوده المستمرة في تطوير مهاراته. يقدّر عاصم ذاته الموسيقية وعمله في المجال، ويتجنب السلوكيات الشعبوية التي يلجأ إليها البعض. بدلاً من ذلك، يعمل بجدية ويسعى لتطوير نفسه من خلال التواصل مع زملائه في المجال ومتابعة المعلومات المتاحة عبر الإنترنت".
تجديد الأغنية اليمنية
يشهد الفن اليمني مساعي للتجديد أثارت جدلًا واسعًا بين الفنانين والنقاد، وعاصم واحد من تلك الشخصيات التي تسعى جاهدةً للتجديد وابتكار الألحان، وتطوير توزيع الموسيقى في الأغاني اليمنية. ويعتبر الفن اليمني التراثي مصدرًا غنيًا وثمينًا، ولكنه يعتقد أيضًا أن التجديد العشوائي نتيجة لعدم الخبرة يمكن أن يشوه الأغنية اليمنية ويحرف تراثها.
بصفته فنانًا، يتمتع عاصم برؤية نقدية محترفة؛ إذ يرى "أن التجديد في الأغنية اليمنية شيء رائع وضروري، ولكن يجب أن نحرص على الحفاظ على الهوية الأصلية للأغنية اليمنية". وبفضل رؤيته النقدية وإلمامه بالتراث الفني اليمني، يعمل عاصم على إحداث تغيير إبداعي في المشهد الموسيقي اليمني، مع الحفاظ على جوهر الفن والثقافة الأصيلة للبلاد.
غياب المعاهد
عاصم يطمح بشدة إلى دراسة الموسيقى العربية بطريقة أكاديمية، متمنيًا أن تتاح له الفرصة للدراسة في المعاهد الخارجية التي تتخصص في الموسيقى. يشعر بالأسف الواضح لعدم توفر هذه المعاهد في البلاد، مستغربًا من عدم توفر فرص الدراسة التي تعرّفه على مختلف أنواع الموسيقى وآلات العزف.
ومع ذلك، ورغم عدم إمكانية السفر خارج البلاد في الوقت الحالي لتحقيق حلمه، فإن عاصم يخطط بشكل مدروس للمستقبل؛ سيعمل بكامل جهوده لتحقيق حلمه المنشود وإثبات ذاته كموسيقي عربي، يطمح للتنافس مع الموسيقيين العرب المشهورين، ويعكس هذا التصميم والتفاني في تحقيق أحلامه الموسيقية.
ويشير عاصم، في حديثه لوكالة "2 ديسمبر" إلى ظهور فرق موسيقية متمكنة، في السابق، تعمل بطريقة أكاديمية، حيث قدموا نموذجًا مشرفًا للفن اليمني.
ويشارك عاصم الاعتراض على تشكل العديد من الفرق الموسيقية غير الأكاديمية في الوقت الحالي. يلاحظ أن هذه الفرق تعمل بشكل عشوائي وتعزف بأساليب غير صحيحة، ما يؤدي إلى الكثير من الأخطاء في ضبط التون والإيقاع الزمني الخاص بالأغاني. يعتقد أن هذا التصرف يؤدي إلى تشويه الأغنية وتقليل جودتها.
ويعزو عاصم هذا الواقع إلى عدم توفر المعاهد الموسيقية في اليمن، حيث يعتبر ذلك السبب الرئيسي وراء ظهور تلك الفرق غير المهنية. ويشعر بأن توفر مؤسسات موسيقية تعليمية سيساهم في تحسين المستوى الموسيقي وتطوير المهارات الفنية للموسيقيين المحليين، وبالتالي تحسين جودة الأغاني المنتجة في البلاد.
عاصم فائد واحد من الشخصيات التي وجدت شغفها في الموسيقى، والتي قد يتم تجاهلها في بعض الأحيان في القطاعات التي يعتبرها البعض ثانوية. يؤمن بأهمية أن تولي الدولة اهتمامًا للمبدعين وتوفر لهم الدعم والموارد اللازمة للتميّز والإبداع. يعتبر ذلك الدعم الكامل والوسائل المتاحة من قِبل الدولة أمرًا حاسمًا لتعزيز المجال الموسيقي وتمكين المبدعين من تحقيق طموحاتهم الإبداعية والتأثير بشكل إيجابي في المجتمع.