عندما تزور منتزه التعاون السياحي في مدينة تعز، ستشاهد روحًا مبدعة تتجسد في شخصية امرأة سمراء تنبض بالحياة والحركة. تقوم هذه المرأة بجهد عظيم، لإعادة الروح إلى كافة مرافق المنتزه وإصلاح المنظومة المتعطلة فيه، وتدير المكان ببراعة واحترافية.

إنها مسك المقرمي، امرأة في عقدها الرابع، ناشطة حقوقية ومجتمعية، استطاعت أن تثبت نفسها بجدارة وتحقق إنجازات عديدة. تدير مشاريع متعددة تهدف إلى خدمة المجتمع وخاصة فئة المهمشين، وقد ساهمت بشكل كبير في معالجة القضايا التي يواجهها المهمشون، ولا سيما النساء.

بتاريخ 20 يوليو من عام 2023، تم تكليف المقرمي برئاسة منتزه التعاون السياحي، وذلك بناءً على توجيهات محافظ المحافظة، السيد نبيل شمسان. جاء هذا التعيين استنادًا إلى القرار رقم 75 الذي يهدف إلى إزالة الفوارق الاجتماعية والامتيازات بين الطبقات المختلفة في المجتمع.

واعتبر الناشطون الحقوقيون والاجتماعيون هذا القرار، الذي مكّن أول امرأة من فئة المهمشين من تولي منصب إداري من هذا النوع، خطوة نوعية ومهمة نحو تعزيز المبادئ الحقوقية والمساواة والتنوع.

ووفقًا للاتحاد الوطني، يُعَدُّ قرار تعيين المقرمي تعزيزًا للمبادئ الحقوقية ومناهضة التمييز بأشكاله وإحلال مبدأ المساواة والعدل والتنوع، ويمثل خطوة هامة نحو تمكين المجتمعات المهمشة وتوفير فرص عادلة للمشاركة في المجالات الرئيسية في المجتمع.

حدث فريد

"حدث استثنائي وفريد من نوعه أن تتولى امرأة سمراء موقعًا متقدمًا بهدف تحقيق الدمج الاجتماعي لشريحة المهمشين في المجتمع اليمني"، تعبِّر المقرمي.

وفي حديثها لوكالة "2 ديسمبر"، تقول مسك المقرمي إنها شعرت بالخوف الشديد عندما سمعت بتعيينها في هذا المنصب؛ نظرًا للأوضاع السيئة التي كانت تعرفها المنطقة.. مشيرة إلى الفوضى المستشرية والتدهور الحاد الذي شهدته جميع المرافق في المنتزه الوحيد في قلب المدينة المحاصرة منذ سنوات.

ومع ذلك، قررت المقرمي أن تبدأ مهامها رسميًا بعد صدور القرار. وواجهت المنتزه شبه المهجور والمليء بالغربان والقمامة المتناثرة في جميع المرافق، حسب وصفها.

تحمل المقرمي خططًا ومشاريع قادمة للمنتزه السياحي الوحيد في المدينة. وعلى الرغم من ذلك، فإنها تفضل عدم الكشف عن تفاصيلها ومخططاتها المستقبلية.

من هي مسك؟

مسك سعيد المقرمي، رئيس جمعية كفاية الاجتماعية، تتولى رئاسة القطاع النسوي في ملتقى تعز الجامع والمساند للسلطة المحلية في المحافظة، وتُعَدُّ نائبًا لرئيس الاتحاد الوطني للفئة الأشد فقرًا لشؤون المرأة، حيث تمثل المهمشين في هذا القطاع.

تخرجت المقرمي من جامعة تعز في عام 2008 من قسم اللغة العربية، وحاليًا تدرس في جامعة الجند بكالوريوس في شريعة وقانون. وتعتقد أن دراستها في هذا المجال ستعزز موقفها في الدفاع عن حقوق الفتيات ومكافحة العنف المجتمعي الذي ينتشر بين الأسر المهمشة.


نشأت المقرمي في قرية ريفية تقع في ضواحي منطقة "الحجرية" غرب مدينة تعز. تحديدًا في عزلة "المقارمة" التي تتبع إداريًا مديرية "الشمايتين".

وتقيم حاليًا في منطقة "الضبوعة"، وهي منطقة تعيش فيها أيضًا العديد من الأسر المهمشة. وفي حال زيارتك للمنطقة، ستشهد تعايشًا غير مسبوق بين سكانها. ويُعزى هذا التعايش المثمر إلى دور المقرمي كـ"عاقلة للحي"، حيث تعمل جاهدة على تعزيز مبادئ السلام والإنسانية بين أفراد مجتمعها.

تمتلك المقرمي خلفية عائلية تعليمية، على الرغم من انتمائها لأسرة لا يكتمل تعليم الأفراد عادةً حتى المستوى المتوسط. حصلت المقرمي على الدعم الكامل منذ بداية مشوارها، خاصة من والدها المهندس المعماري الذي يعمل في السعودية. عمل والدها على غرس قيم العدالة والمساواة والوعي بالحقوق فيها. وتجيد والدتها القراءة والكتابة، وتمتلك شقيقًا حصل على تعليمٍ جامعي جيد.

المساواة والعدالة

قالت المقرمي لوكالة "2 ديسمبر": "رغم أنني تلقيت العديد من الاتصالات والمراسلات وزارني العديد من الصحفيين، إلا أنني أرفض بشكل مستمر أي مقابلة صحفية؛ نظرًا لانشغالي الشديد وأيضًا لعدم رغبتي في الظهور واكتساب الشهرة".

وأضافت أن رسالتها الأساسية تدعم إلهام أبناء جلدها لتجاوز القيود العقيمة والتحرر من قيود التفرقة العنصرية التي مرت بها منذ الأزل، وتأتي هذه القرارات التي اتخذتها بدور كبير في دعمها لأداء دورها في محاربة التمييز العنصري.

"المرأة اليمنية، وخاصة المرأة المهمشة، لا تدرك حقوقها في المجتمع، وتعاني من الأمية والفقر منذ سنوات عديدة. تم حرمانها من الفرص الاقتصادية والسياسية، وهي لا تشارك في العملية السياسية. بناءً على تجربتي الشخصية في مواجهة التمييز المتعدد، كنت أكافح ولا أستسلم، وأسست جمعية كفاية للتنمية لتكون صوتًا للنساء. عملت على تطوير المرأة المهمشة وتوفير الدعم القانوني لها، والسعي لتمكينها في صنع القرارات". تتحدث المقرمي ومظاهر واضحة من الإصرار والتصميم على وجهها.

من جهته، يعبّر مركز "إنصاف للدفاع عن الحريات والأقليات" عن سعادته البالغة بقرارات تعيين النساء في المناصب القيادية العليا في جميع المجالات في اليمن، وبخاصة قرار تعيين المقرمي كمديرة لمنتزه التعاون.

وأشار "إنصاف" إلى أن تمكين المرأة في المناصب القيادية يسهم في تعزيز الديمقراطية ويساهم في تنوع الأفكار في صنع القرارات. كما يعتبر تواجد المرأة في المناصب القيادية نموذجًا يلهم الأجيال القادمة ويشجع النساء على تحقيق قدراتهن الكاملة في جميع المجالات.

جاء هذا القرار تزامنًا مع تعيين رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، ثماني نساء في المحكمة العليا مؤخرًا، وهو خطوة مهمة في تعزيز المساواة بين الجنسين وبناء مجتمع أكثر عدلاً واستدامة في اليمن.

وفي الوقت نفسه، تعمل المليشيا الحوثية على إقالة النساء من مراكز صنع القرار في المناطق التي تسيطر عليها، وتعيين نساء يخدمن مصالحها وفقًا لأجندتها المشبوهة. وتعتبر هذه الإجراءات بتعيين "الزينبيات" تلاعبًا واسع النطاق بتمثيل النساء وتحقيق المساواة الحقيقية.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية