تكالب الحوثيون على تعز تسع سنوات، وضربوا عليها حصارًا- لا يزال- هو الأطول في التاريخ العالمي الحديث، مثلما تآمروا على اليمن برمتها وسعوا لتحويلها إلى هوامش ربحية لإيران. وخلال هذه المدة الطويلة، لم تتوقف آلة القتل الحوثية عن إراقة دماء التعزيين، أحدثهم طفلة لم تجف دماؤها بعد قتلتها المليشيا قبل أيام. وهي ذات المليشيا التي تعرض اليوم وتقدم "مبادرة" مضحكة لوقف الحرب في تعز.

 

يبدو أن البضاعة الدعائية الفاسدة، وسلسلة الأكاذيب الفجة للحوثي وممثله المدعو مهدي المشاط، لم تعد صالحة للتسويق ولا تنطلي على أحد؛ فالمشاط، الذي يُعد عضوًا ذا مرتبة في جماعة الفاشيين الجدد "الحوثيين"، راح يقدم جماعته البارحة باعتبارها "حمامة سلام"، متناسية حمام الدم الذي أراقته، وما زالت تريقه في تعز التي تزعم أنها تنظر إليها اليوم بـ"عين الحرص".

 

يدرك أبناء تعز حقيقة المبادرة التي قدمها مهدي المشاط، وأنها مجرد كذبة مفضوحة تسعى من ورائها المليشيا إلى البحث عن مكاسب بالتحايل، بعدما عجزت عن الظفر بها بآلة الموت أمام ما أبداه التعزيون من صمودٍ منقطع النظير رغم المجازر الحوثية البشعة بحق أهلهم، والتي خلّفت أكثر 4105 شهداء من الأبرياء، و17948 جريحًا، أغلبهم من النساء والأطفال.

 

قد ينطلي مشهد المشاط، وهو يقدم مبادرة بلا معالم، على السذّج؛ لكنّ أبناء تعز لم يروا إلا مشهدًا مسرحيًا مضحكًا، رافقته انفعالية مدعاة بصورة مصطنعة تمامًا، وهذه الجلبة لم تمنع بروز السؤال البديهي: لماذا خرج الحوثي ليقدم اليوم مبادرة وما غايته منها؟!

 

بالتأكيد، ليس لدى الحوثي أدنى حرص تجاه تعز؛ لكنه يدرك أنها محافظة استثنائية صانعة للتحولات، ومع المساعي الدولية والإقليمية للبحث عن حل سياسي أراد الحوثي استباق الأحداث وتحسين صورته لدى أبناء تعز، الذين يتذكرون جرائم لا تحصى للمليشيا بحقهم، طالت الحرث والنسل، ونالت من الصغير والكبير.

 

على الصعيد الشعبي، الكل يدرك حقيقة ادعاءات الحوثي، وأنها لعبة من ألاعيب المليشيا التي دأبت على ممارستها منذ اتفاق السلم والشراكة وقبله؛ فالذاكرة الجمعية لليمنيين ليست مثقوبة لتنسى كم اتفاق نكثت به المليشيا، وكم مبادرة انسلخت منها، بعضها كانت متعلقة برفع حصار تعز، مثل اتفاق ستوكهولم واتفاق الهدنة الهش.

 

لقد كان لتعز اليد الطولى في مقارعة المشروع الحوثي، وتلك التضحيات الجسام التي دفعتها المدينة ضريبة للصمود، جعلت العدو يتلقى هزيمة صريحة قاسية ومروّعة فشل- في كل جولاتها- في تحقيق أهدافه الخبيثة، وعندما شعر أنه العاجز المنكسر وأنه أمام استحقاقات يريد الالتفاف عليها لفك الحصار عاد ليقدم نفسه بصورة الحريص الذي لا يريد لتعز أن تبقى في دوامة الصراع والدمار، رغم أنه لم يُبقِ شيئًا فيها لم يدمره.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية