الدكتور صادق القاضي يكتب لـ "2ديسمبر ": بين حربي أكتوبر 73 و2023م.. أوجه التشابه والاختلاف
لأول مرة منذ حرب الـ"6 من أكتوبر 1973م". المجيدة.. تتعرض إسرائيل اليوم. بدءاً من الـ"7 من أكتوبر الحالي 2033م"، لهجوم كبير ومختلف من نوع خاص، كسر هيبة الجيش الإسرائيلي مجددًا، وكشف هشاشة ما يسمى الدولة الإسرائيلية بشكل فاضح.
بين الهجومين أوجه تشابه كثيرة لا تخطئها العين، بدايةً من: توقيت الهجوم؛ فكلاهما تم في نفس الشهر والأسبوع، ونفس اليوم "السبت"، الموافق لنفس المناسبة الدينية اليهودية "يوم الغفران": وهو يوم مقدس مخصص فقط للصلاة والصيام، ويحظر فيه حتى العمل والخروج والسفر.. وحتى الاستحمام ولبس الأحذية.
كان الرئيس السادات عبقريًا في اختيار هذه المناسبة لمباغتة إسرائيل بهجوم كاسح في خضم انشغال اليهود الإسرائليين بطقوس الاحتفال بهذا العيد الديني، بما في ذلك من صيام وبيات ديني.. ما أربك العدو الإسرائيلي وحطم أسطورة الجيش الإسرائيلي "الذي لا يهزم".
وبالمثل: كانت "حماس" ذكية وموفقة.. بشن هجومها المفاجئ في نفس هذه المناسبة الدينية اليهودية، ومن اللافت أن إسرائيل لم تستفد من التجربة المريرة السابقة التي نالتها على يد السادات، فارتبكت للمرة الثانية، وتكبدت مجددًا قدرًا كبيرًا من الضحايا: قتلى وأسرى!
أيضًا: كلا الحربين كانت مخططة جيدًا، وتمت جوًا، وبرًا، وبحرًا.. وعلى العشرات من الجبهات دفعة واحدة.. إلى آخر أوجه التشابه التي لا تعني بالضرورة أننا أمام عمليتين متجانستين تمامًا.. وعلى العكس بينهما فروق شاسعة من كل الجوانب، وعلى كل المستويات:
حرب أكتوبر المجيدة كانت حربًا بين جيشين ودولتين، ومثلت إرادة الدولة والشعب المصري، بينما ما يحدث في غزة حاليًا ومنذ عقود طويلة.. وإن تم تحت إطار القضية الفلسطينية العادلة.. يمثل إرادة جماعات دينية مسلحة غير تابعة للحكومة الفلسطينية.
تمت حرب أكتوبر المجيدة في إطار توافق وتنسيق قومي عربي شامل.. شاركت فيه سوريا ولبنان والأردن. مصر، عسكريًا، بشكل مباشر، كما انخرطت فيه دول الخليج على رأسها السعودية، بالمال والسلاح، وقطع تصدير النفط إلى الدول المتعاونة مع إسرائيل.
اليوم، وجهت حماس نداءها فقط للمليشيا او ما تسميها"حركات المقاومة" في: لبنان وسوريا واليمن والعراق. لا إلى هذه الدول التي نخرتها "طهران"، واستلبتها استقلالها وسيادتها وقرارها وأمنها واستقرارها ووحدتها الوطنية.. وجعلتها مجرد أرقام هزيلة تابعة لها في ما تسميه "محور الممانعة"!
اليوم، حتى الشعب الفلسطيني غير متوافق ومنسجم مع نفسه، في قرار وإرادة مشتركة. "غزة" بمثابة دولة مستقلة عن "الضفة الغربية"، انشقت "حماس" بالأرض والقرار والإدارة والسلاح.. حركة "الجهاد" بدورها، مستقلة بكيانها وسلاحها وقرارها.. عن أي سلطة أو كيان فلسطين موحد!
حرب أكتوبر المجيدة دفعت الأطراف بقوة إلى طاولة حوار جدية تمخضت عن استعادة مصر لأرضها المحتلة، وتدشين سلام بين الطرفين، وهذا ما نأمله دائمًا بشأن القضية الفلسطينية: الأرض مقابل السلام، وحل الدولتين، ثم سلام شامل في المنطقة على أساس مبادرة الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز.
لكن؛ أمام هذا الحل تحديات وعقبات كؤودة، بدايةً بالتطرف والصلف الإسرائيلي، وإصراره منذ عقود على عرقلة الحوار ووضع القضية الفلسطينية أمام جدار مسدود.. وهو ما يغذي التطرف المقابل، ويؤدي إلى خروج تمثيل القضية الفلسطينية من أيدي الدولة الفلسطينية إلى أيدي الجماعات الدينية المسلحة.
كذلك، على المستوى الدولي: وقوف إسرائيل ضد الحلول العربية للقضية الفلسطينية أدى إلى خروج هذه القضية من أيدي العرب إلى أيدي أطراف دولية لها مشاريع وأجندات قومية كهنوتية توسعية مشبوهة. وبالتحديد نظام الثورة الإسلامية في "طهران".
منذ البداية استخدم هذا النظام الشمولي الحق الفلسطيني لخدمة مشاريعه الباطلة.. وقد حصد حتى اليوم أربع عواصم عربية، ويتحكم بخيوط الجماعات الفلسطينية المسلحة، ما يجعل حروب هذه الجماعات، ولو جزئيًا، حروبًا بالوكالة عن طهران، لا بالأصالة عن الإرادة الشعبية الفلسطينية الجامعة.
وهذا بالضبط أهم ما يميز حرب أكتوبر المجيدة عن حروب حركات حماس والجهاد. وفي المحصلة: لا مجال للمقارنة بينهما من حيث المنطلقات والأهداف والوسائل والسياقات والأبعاد المحلية والإقليمية والدولية. وتظل القضية الفلسطينية قضية حقوقية وإنسانية عادلة، لكن "الطريق إلى القدس" مليء باللصوص وقطاع الطرق والقراصنة.