تتوالى ردود الأفعال العربية والإقليمية والدولية، تجاه ما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة من مواجهات دامية، تسببت فيها جرائم القتل والتدمير والتوسع وأعمال التصعيد الصهيونية، التي دفعت بالمقاومين الفلسطينيين إلى خيار المواجهة كخيار إجباري.  

من استباحة المسجد الأقصى إلى مداهمة المستوطنين لأحياء وقرى الفلسطينيين، إلى نقاط التفتيش التعسفية، إلى انتهاكات قوات وعناصر الاحتلال الصهيوني لحقوق وحريات وخصوصيات الفلسطينيين بشكل يومي، إلى غيرها من الاستفزازات اليومية، التي لم يستطع الفلسطينيون تحملها، فخرجت الفصائل، والعوائل، لمواجهة الصلف الصهيوني، في ردة فعل ربما لم تكن قوات الاحتلال تتوقعها، كما حدث اليوم.  

ردود فعل الفلسطينيين تابعها العالم عبر القنوات ووسائل الإعلام والتواصل، التي تتحدث عن عشرات القتلى والجرحى الأسرى من عناصر قوات الكيان الصهيوني المحتلة، التي وقعت في مسار عاصفة رد الفعل الغاضب وهي في موقع المعتدي.  

وعلى وقع موقعة مواجهة بطولية دخلها الفلسطينيون مجبرين، تتابعت ردود الأفعال الغربية الإقليمية والدولية، تصدرتها الجامعة العربية والدول العربية، بتأكيد حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه، وتحميل قوات الكيان الصهيوني المحتل مسؤولية التصعيد، ومن ثم الدعوة إلى احتواء سلمي للموقف.  

وبالمقابل، ظهر الشعب الفلسطيني ومن خلفه الشارع العربي، محتفيًا بأبطال المقاومة الفلسطينية، الذين اندفعوا بشكل تلقائي من مقاتليتن ومدنيين وشباب، أعادوا إلى الأذهان الملاحم البطولية التي كان يخوضها أبطال المقاومة الفلسطينية، في أزمنة ما قبل خدع السلام، وما قبل صراع الجماعات والفصائل والمصالح.  

وعلى الصعيد الآخر، يتضح أن قيادة العدو الصهيوني المحتل كانت تبحث عن ذريعة لإعلان الحرب الشاملة، التي بدأتها فعلًا بعشرات الجرائم منذ أن أطلقت قواتها وعناصرها تقترف أبشع جرائم القتل والانتهاكات والتدمير، وها هي قيادات الكيان الصهيوني المحتل، ومن خلال تصريحات قادة جيشها الغاصب، تعلن الحرب الشاملة صراحة على الفلسطينيين، بل وتخوض حرب إبادة وتنكيل وتدمير شاملة، وتحاصر الفلسطينيين من البر والبحر والجو، مستندةً إلى انحراف واضح في مواقف المجتمع الدولي، التي تتراوح ما بين الانحياز المباشر للكيان المحتل، وبين التجاهل المطلق لجرائم الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني.  

وحتى المواقف التي تُظهر نوعًا من الحياد، وتلك التي تغلف خطابها بدعوات السلام، لم نجدها يومًا تتجاوز العنوان الرئيس لمفهوم السلام، لتتحدث عن السلام الكامل والشامل والعادل، الذي يحفظ حقوق جميع الأطراف، ويؤصل للتعايش والمحبة على أسس العدالة التي تحفظ الحقوق وتردع الاعتداء مهما كان مصدره، وما عدا ذلك فإن أي سلام مزعوم ينتقص الحقوق، إنما يؤصل لصراعات أبدية.  

إجرام الصهاينة المحتلين، وتصعيدهم الدائم، وتماديهم في الاستفزاز، معطيات أخرجت المارد الفلسطيني من قيود الالتزامات وحبائل التأطير التي وضعته فيها مفاوضات واتفاقات وصفقات لم يجن من ورائها الشعب الفلسطيني سوى الخسائر والموت والدمار والتشرد والقهر، فتراكمت في الصدور عوامل الانفجار الحتمي الذي حدث.  

ضاقت صدور الفلسطينيين، ونفد صبرهم، وخرجوا لردع الصلف بصورة لم تكن تتوقعها قوات الاحتلال، كما لم يكن يتوقعها المحيط العربي الإقليمي، والمجتمع الدولي أيضًا. 

المشاهد التي نقلتها وسائل الإعلام والتواصل عن هواتف أبطال فلسطين المقاومين على الأرض، أظهرت العشرات من المدنيين الفلسطينيين، من الشباب والكهول وحتى النساء، وهم يشاركون المقاتلين الفلسطينيين ثورة الردع الوطني الشامل ضد صلف الكيان الإسرائيلي المحتل، ما يؤكد أن العملية وطنية فلسطينية شاملة، وأن محاولة تأطيرها أو تجييرها لفصيل بذاته ليست سوى حماقة دافعها انتهازية لا تحترم الحق الوطني الشامل. 

وعلى ذات السياق الانتهازي، تتجلى الانتهازية القبيحة واضحةً في مواقف إيران وعصاباتها وعملائها، الذين تقافزوا لاستثمار انتفاضة أبطال فلسطين، ومحاولة تجييرها واستغلالها لتسويق مشاريع كيانات أنظمة وحوزات، لا علاقة لها ولا لأذيالها بمعاناة الشعب الفلسطيني، ولا بالقضية الفلسطينية، التي كانت وما زالت القضية المركزية للعرب والمسلمين.  

ومع تفاوت مستوى ردود أفعال الحكومات والدول، كان ولا يزال نبض الشارع العربي متجاوزًا كل الاعتبارات، متفاعلًا بكل الحواس، ضابطًا نبضه على تحركات أبطال فلسطين، الذين واجهوا آلة الحرب الصهيونية بأبسط الإمكانيات، مؤكدين أن صاحب الحق أقوى مهما ضعفت إمكانياته، وأن الباطل أضعف مهما حُشدت له من أدوات القوة.

وعلى هامش الثورة الفلسطينية الجديدة، من المهم أن يستوعب مجتمع النفاق الدولي ما حدث، ويعيد النظر في حساباته، ويصبَّ مواقفه للعمل على تحقيق سلامٍ عادل خالٍ من بذور الصراع.  

ومن الأهم أن يستوعب الانتهازيون- في الداخل الفلسطيني- رسالة الشعب الفلسطيني المغبون الثائر، الذي كفر بالتأطير والتسخير والتجيير، وخرج بكل فئاته ينتصر للحق المكفول لكل الفلسطينيين.  

ومن الأكثر أهمية أن يدرك سماسرة الأزمات وتجار الحروب والمتاجرون بقضايا الأمة أن خرافاتِهم وصواريخهم وفيالقهم المزعومة- لنصرة القدس- سقطت تحت أقدام المواطنين الفلسطينيين، الذين خرجوا بالهراوات والحجارة والأيدي، يردعون الصلف الصهيوني ويكسرون غروره قبل حديده وناره.  

وما هو أهم من ذلك؛ أن يدرك العدو الغاصب الصهيوني المحتل- كل محتل غاصب مستبد- أن لصبر المظلومين حدود، وأن لطغيان الظالمين نهايات، مهما بعُدت فإنها قريبة وحتمية المجيء.  

أمَّا قبل وبعد؛ فإن ما حدث في السابع من أكتوبر 2023م تتحمل مسؤوليته الكاملة ومسؤولية تبعاته دولة الكيان الصهيوني، ويتحمل القادة العرب مسؤولية حماية الشعب الفلسطيني من الهمجية الصهيونية، ويتحمل المجتمع الدولي- وفي مقدمته الدول الكبرى- المسؤولية الكاملة عمَّا يمكن أن تؤول إليه الأمور في المنطقة على جميع المستويات.  

بالله نستقوي، وبالحق ننتصر.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية