في 22 من سبتمبر المنصرم، أطلقت وزارة الصحة في حكومة الشرعية حملة التطعيم الواسعة ضد مرض الحصبة والحصبة الألمانية، لمكافحة المرض المتفشي في اليمن، مستهدفة 13 محافظة، ضمت عدة محافظات تقع تحت سيطرة المليشيات الحوثية.

وفيما تتواصل الجهود المبذولة من قِبل منظمة اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية، في محاربة الأمراض القاتلة وحماية أطفال اليمن منها؛ تقف مليشيات الحوثي الإرهابية ضد هذه اللقاحات والأمصال الصحية وتستمر في حربها على حملات التطعيم، ونشر الإشاعات المزيفة في صفوف الأسر، بما يسهم في تعثُّر مسار الحملات ومنع التطعيم.

تفشٍّ مرعب

أطلقت منظمة الصحة العالمية في 19 من أغسطس المنصرم، حزمة تحذيرات مخيفة حول ارتفاع معدل المصابين بمرض الحصبة في اليمن بنحو مليون و267 ألف طفل، تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و59 شهرًا، في 121 مديرية في 13 محافظة، أغلبها تقع تحت سيطرة المليشيات الحوثية، منها صنعاء والحديدة وعمران وذمار وصعدة، والأخيرة تعيش في بؤرة من الأمراض حسب منظمة الصحة العالمية.

مصادر طبية في صنعاء أفادت "وكالة 2 ديسمبر" بأنّ الحملة كان سيتخللها تزويد لقاحات فيروس كورونا للفئات ذات الأولوية العالية في المواقع الثابتة والمؤقتة. وسيشارك فيها 3,025 فريقًا طبيًّا يتألف من 847 فريقًا ثابتًا و2,178 فريقًا متنقلًا ولمدة لا تقل عن ستة أيام، إلا أن مليشيات الكهنوت الحوثي وقفت ضد وصول الأمصال إلى صنعاء.

المصادر ذاتها أكدت "أن اعتراض وصول اللقاحات، تحت ذرائع شتى، أدى إلى انعكاسات سلبية مخيفة؛ إذ شهدت مستشفيات الثورة والجمهوري والكويت في صنعاء حالة من الرعب والخوف لحظة اكتظاظ مئات الأسر مع أطفالهن إلى ساحات المستشفيات في رغبة منهن بتطعيم أطفالهن باللقاحات المضادة لهذا المرض، لكن هذه الأسر انصدمت بعدم توفر هذه اللقاحات بسبب منع مليشيات الحوثي دخول منفذي التطعيم والحملات الصحية إلى صنعاء.

الأرقام المسجلة عن الأمراض السارية مرعبة، كما توضح تقارير منظمة الصحة العالمية، فقد سجل اليمن أكثر من 22,000 حالة إصابة بالحصبة في عام 2022، بما فيها 161 حالة وفاة. ومنذ عام 2023 حتى الآن، ارتفعت الحالات إلى 9,418 حالة، بما في ذلك وفاة 77 طفلًا.

كما أن حالات الخناق والسعال الديكي، وشلل الأطفال، إلى جانب الحصبة، مستمرة في الارتفاع، وكذلك الوفيَات الناجمة عن كل مرض، وسط تدهور متواصل للخدمات الطبية والقطاع الصحي في صنعاء، بفعل عنجهية المليشيات ووصفها اللقاحات "بالمؤامرة الغربية التي تستهدف الأمة"، الأمر الذي أدى إلى توسع وانتشار هذه الأمراض التي تهدد الأطفال.

منذ عام 2021، أُصيب 228 طفلًا بالشلل في اليمن، ومن المتوقع أن يرتفع عدد حالات الإصابة بالمرض الخطير، الذي تم القضاء عليه في جميع أنحاء العالم تقريبًا، وأصبح القضاء عليه عالميًّا في متناول اليد، حد قول منظمة أطباء بلا حدود.

مؤامرة غربية.. أسطوانة الحوثي المشروخة!

عادت أم رأفت (35 عامًا) من مستشفى الثورة بصنعاء حاملة طفلها الرضيع على كفها إلى المقبرة، فبعد أن رأت طفحًا ورسومًا سوداء تظهر عليه، اتجهت إلى المستشفى لتعرف أسباب ظهور هذه العلامات على جسد طفلها، ليخبرها الطبيب أنه مصاب بالحصبة، لكنها أنصدمت بأن الطبيب يخبرها أن اللقاح ممنوع في صنعاء وغير متوفر لأن مليشيات الحوثي منعتها زاعمة أنها مؤامرة غربية وتواجدها خطر على الأمة!.. بقيت الأم في حيرة من أمرها وهي تنظر إلى طفلها يلفظ أنفاسه الأخيرة وهي عاجزة عن إنقاذه حتى غيبه الموت.

وكالة "2 ديسمبر"، التقت أم الطفل المكلومة للحديث عن مأساتها، لكنها كانت في حالة صدمة ولم تقل غير جملة واحدة "ابني مات بسبب الحوثي".

من جابنه، قال طبيب في أحد مستشفيات صنعاء، فضل عدم ذكر اسمه، لـ"وكالة 2 ديسمبر"؛ إن الحرب الشعواء التي تفرضها مليشيات الحوثي ضد اللقاحات لا تناسب المنطق ولا العقل، واصفًا ادعاءها بأن اللقاح مؤامرة بالذريعة العنجهية المقيتة، ولها تداعيات كارثية على حياة الأطفال، خاصة بعد حضور هذا الكم الهائل منهم إلى طوارئ المستشفى والجميع عاجز عن إنقاذهم. ناصحًا جميع الأهالي بتلقيح أطفالهم ضد الحصبة قبل أن يعصف بهم المرض الفتاك.

وفي ذات السياق، أشار مدير برنامج التحصين الدكتور فهد النمر، في حديثه لـ"وكالة 2 ديسمبر"، إلى أن خطر الإصابة لا تزال تطارد الآلاف من الأطفال مع تعنت مليشيات الحوثي الإرهابية، ومنع الأطفال من تلقي اللقاحات باعتبارها مؤامرة صهيونية.

مؤكدًا "أن معدل الإصابة والوفيات في ترتفع في صفوف الأطفال بصنعاء، حيث أُصيب بعض الأطفال بالتهاب رئوي وخيم بسبب مضاعفات الحصبة، فعدم تلقي العشرات من الأطفال اللقاحات، يجعلهم يصلون مصابين بمضاعفات شديدة وخطرة (التهابات صدرية وخيمة والتهابات في الدماغ).

داعيًا المواطنين إلى التلقيح وعدم تصديق الأصوات النشاز، "وكل واحد اخبر بنفسه"، وصف ذلك بلهجته العامية مضيفًا: "المهم مانشتي نرجع نسمع غوار أحدهم وصراخه عند أبواب العناية المركزة وطفله يرقد بين الحياة والموت بسبب عدم أخذه اللقاحات".

مرض قاتل

وفي حين تم تنفيذ حملات متعددة للتطعيم ضد الحصبة وشلل الأطفال في المحافظات المحررة من اليمن على مدى العامين الماضيين، فإن الجمود المستمر في المحافظات الخاضعة لسيطرة المليشيات الحوثية بشأن أنشطة التحصين التكميلي يعرض الأطفال هناك للخطر بشكل خاص.

وتشدد منظمات أممية على أهمية حملة التحصين الحالية؛ إذ أكد أرتورو بيسيغان، ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن، وبيتر هوكينز ممثل اليونيسف، التزامهما بهذه الجهود المشتركة.

وقال بيسيغان: "إن التزامنا تجاه أطفال اليمن ثابت لا يتزعزع، ونحن نقف متحدين مع الحكومة لتعزيز برنامج التحصين باعتباره حجر الزاوية في خدمات الرعاية الصحية الأولية في طريقنا لتحقيق التغطية الصحية الشاملة، إلا أن العراقيل التي تضعها مليشيات الحوثي أجبرت حملات التلقيح إلى تغيير اتجاهها نحو الحكومة الشرعية، الأمر الذي ينذر بخطر وخيم يتربص بأطفال تلك المحافظات".

كما حذر بيتر هوكينز ممثل اليونيسف في اليمن، من أن "الحصبة قد تكون قاتلة، ولكن تطعيم الأطفال ضدها كفيل بإنقاذ حياتهم. فاللقاح آمن وفعّال". ويجدد هوكينز دعوته الجميع إلى "المشاركة والتأكد من تطعيم كل طفل يتراوح عمره بين 6 أشهر و5 سنوات، غير ذلك هناك كارثة صحية محتملة قد تحدث مخلفة مئات الوفيات في صفوف الأطفال غير المطعمين".

وتسعى المنظمتان الأمميتان، من خلال توحيد جهودهما ومواردهما، إلى زيادة التغطية باللقاحات، وحماية المجتمعات الضعيفة، ومنع تفشي الأمراض المعدية في المستقبل.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية