"المولد النبوي".. من مناسبة دينية إلى مشروع سياسي طائفي
يحتفي المسلمون بالمولد النبوي، في كل أنحاء العالم الإسلامي، ومن أبرز ملامح الاحتفال في العديد من الدول الإسلامية، الاقتداء بسنن رسول الله، وشراء "حلوى المولد"، التي باتت العلامة البارزة لقرب حلول المولد النبوي؛ إلا أنّ جماعة الحوثي الإرهابية في اليمن، ترى في هذه المناسبة الدينية فرصة للبحث عن مشروعية سياسية تفتقر إليها، باعتبارها، جماعة تنتمي إلى "آل بيت رسول الله"، كما تزعم، فضلًا عن اعتبارها فرصة لفرض الجبايات وجني الأموال، من المواطنين والتجار.
ومنذ انقلابها على الدولة في 21 سبتمبر 2014م، حوّلت جماعة الحوثي "ذكرى المولد النبوي" من مناسبة لها رمزية دينية إلى مناسبة سياسية طائفية، إجبارية على اليمنيين، من خلال حشد أنصارها، وإجبار السكان على المشاركة فيها بالترغيب والترهيب، بطريقة لم يكن يحتفل بها اليمنيون من قبل.
عملت الجماعة الإرهابية على استغلال "ذكرى المولد النبوي" لتعزيز سلطانها السياسي، بتغليفه دينياً باسم "المولد النبوي"؛ من خلال حشد البسطاء لدغدغة مشاعرهم، وتذكيرهم بأن لها الحق في الحكم والسلطة، وتحدثهم في خطاباتها عن الولاية وآل البيت، بهدف تعزيز الحضور الأسري للسلالة في نفوسهم، في محاولة منها لبناء دولتها الأيديولوجية بنظام إمامي طائفي.
تشير خطابات الجماعة في هذه المناسبة الدينية، إلى أن الجماعة تسعى كأي سلطة شمولية، إلى ترسيخ رسالتها الأيديولوجية، واستعراض قوتها السلطوية، وإعادة تشكيل المجتمع وفق عقيدتها الدينية والسياسية، لتطبيق نظريتها الثيوقراطية للحكم، حيث تدعي نسبها للنبي محمد، أو من يُطلق عليهم الهاشميون، الذين اختارهم الله لقيادة الأمة، ويستند حكمهم إلى ما يسمى "الاصطفاء الإلهي".
في خطابه الأخير بمناسبة "المولد النبوي"، أعلن زعيم جماعة الحوثي الإرهابية، عبدالملك بدرالدين الحوثي، عما أسماها "المرحلة الأولى من التغيير الجذري"؛ المتمثلة في "تشكيل حكومة جديدة والعمل على تصحيح وضع القضاء ومعالجة اختلالاته بما يتوافق مع قواعد الهوية الإيمانية" وفق تعبيره، الأمر الذي يشير إلى توجه الجماعة لتطبيق نظام ولاية الفقيه في إيران؛ وهو نظام شمولي معقّد، يجمع بين الحكومة الدينية "عناصر ثيوقراطية"، والحكم الديمقراطي، بحيث تكون السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية (الإجرائية)، والقضائية، تحت إشراف المرشد الديني (زعيم الجماعة) أسوة بـ"خامنئي" في إيران.
ويأتي إعلان الحوثي أمام الجماهير التي حشدها للاحتفال "بالمولد النبوي"، بعد شعوره بالخطر من خروج آلاف اليمنيين إلى الشوارع في مناطق سيطرة جماعته الإرهابية، للاحتفاء بذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر- الثورة التي أطاحت بالحكم الإمامي قبل ستة قرون- في عجلة منه لبناء ملكه الخاص، قبل أن تسقط صنعاء من بين يديه، وسرعان ما أعلن المجلس السياسي التابع للجماعة إقالة الحكومة الحالية (غير المعترف بها دوليًا) برئاسة القيادي في حزب المؤتمر، عبدالعزيز بن حبتور، تنفيذًا لما ورد في خطاب زعيم الجماعة، من تدشين للمرحلة الأولى من التغيير، والتي أنهت آخر شراكة صورية لحزب المؤتمر (جناح صنعاء).
هكذا حوّلت جماعة الحوثي الإرهابية "النبي محمد" من مشروع حياة ونجاة للعالمين، إلى مشروع سياسي، عنصري، سعت باسمه للسيطرة على الحكم، بمبرر أنها "سلالة طاهرة"؛ مُنحت الحق الإلهي في حكم اليمنيين، وحصرت حب النبي- عليه الصلاة والسلام - بها وحدها؛ إذ تحتفي به بصورة أشبه بالاحتفاء بملك جاء ليحكم ويورث حكمه لذريته وسلالته، لا كرسول أرسله الله رحمة للعالمين.