عندما تصبح النقاط الحوثية مصدرا للغنى
تعج الذاكرة بقصص عدة عن المعاناة التي يتعرض لها المسافرون في نقاط التفتيش المليشياوية والتي تحولت إلى مراكز للاعتقال وسرقة وابتزاز المسافرين الراغبين في الوصول إلى مقاصدهم بسلام.
فالكثير منهم يجتازون طرقا تسيطر عليها مليشيات الحوثي وتنتشر فيها نقاطها الأمنية لتجعل منها مراكز للنهب الذي لا يتوقف.
مهند موظف في إحدى الشركات التجارية في صنعاء دفعه الحنين لرؤية والدته المريضة في مدينة تعز فقرر زيارتها.
كان ذلك قرب عيد الأضحى المبارك فهو مناسبا لزيارة والدته إضافة إلى اخذ إجازة من الشركة التي يعمل بها ليستريح قليلا من ضغوط العمل المستمرة.
استقل حافلة ركاب مع عدد من المسافرين وعند وصوله إلى نقطة الحوبان قام عناصر مليشيات الحوثي بتفتيش هواتف جميع المسافرين في المركبة التي كانت تقلهم على نحو دقيق للغاية.
عند وصول المفتش إليه طلب هاتفه كما جرت العادة ثم قام بإدخال كلمات البحث السيئة " الحوثي، السيد، المليشيات" لتظهر محادثة لم ينتبه لحذفها تحتوي على كلمات وصف فيها عناصر المليشيات الحوثية "بأنهم عبارة عن كلاب شاردة ليس لها وظيفة سوى إيذاء الناس وقتلهم".
عندما قرأ مشرف النقطة تلك العبارات تهللت أساريره، لأن ذلك سيكون مصدرا للابتزاز وجلب الأموال له ولأفراد العصابة التي يعمل معها.
بدأ بتوجيه أسئلة مستفزة متصنعا الغضب" مع من تعمل؟ ولصالح من تشتغل؟ مضيفا بنبرة تهديد "سيتم إحالتك لمدينة الصالح وسيتم حبسك على نحو غير لائق لأنك تعمل ضد الدولة".
استمر المشرف الحوثي في هذيانه "سيتم تعذيبك ثم قتلك فأنت تخطئ علينا، فيما عنصر آخر أعطى أوامره لبقية أفراد النقطة " هذا الشخص مطلوب ومسجل ضده بلاغ.. لا تطلقوا سراحه".
كان الهدف من تلك العبارات هو إرهابه ودفعه للاستسلام وهي مقدمة لإرغامه على دفع المبلغ الذي يطلب منه وحدد بـ 30 ألف ريال.
رد مهند على المشرف الحوثي" سأقضي إجازة العيد هنا معكم ولن أذهب إلى أي مكان آخر، ليست لدي أي قضية وكل ما تقومون به هو خطأ وغير صحيح، العبارة التي كتبتها كنت في مزاج سيئ ولم أقصد الإساءة لأحد".
أثناء الحوار تدخل عنصر آخر موجها النصح له" خارج نفسك في إشارة إلى دفع المبلغ المالي حتى يسمح لي بالعبور" في عملية تبادل الأدوار بين أفراد العصابة بحيث يقوم الأول بعملية اعتقال الشخص، فيما يقوم الآخر بدور المصلح على أن يتم تقاسم المبالغ المالية المحصلة فيما بينهم مناصفة.
أخرج مهند عشرة آلاف ريال وسلمها للمشرف الحوثي قائلا" هذا كل ما أملك" فما كان من المشرف الحوثي إلا خطف المبلغ المالي منه والسماح له بالمغادرة في عملية ابتزاز وقحة.
أثناء صعوده الباص شاهد المشرف الحوثي وهو يجري اتصالا هاتفيا قائلا "في الباص رقم كذا فيه شخص اسمه مهند" وهي مكالمة تشير إلى احتمال تعرضه لعملية ابتزاز جديدة.
كان الاتصال مرعبا فهو حتما سيعرضه لعملية ابتزاز جديدة، ولكي يتجنب ذلك نزل من الحافلة واستأجر دراجة نارية توصله إلى ما بعد النقطة الحوثية الأخرى.
حادثة مماثلة
أما بدر ناصر فقد جرى توقيفه في نقطة أمنية في رداع أثناء سفره من عدن للعمل في إحدى العيادات الطبية.
تحتوي ذاكرة هاتف ناصر على صور عائلية عدة، وهو يرفض بالطبع الاطلاع عليها من قبل أشخاص آخرين ولكي يتجنب قيام مليشيات الحوثي بالاطلاع عليها، قام بطريقة ساذجة بإغلاق هاتفه والادعاء بانتهاء طاقته الكهربائية.
عند وصوله إلى نقطة رداع طلب منه فتح الهاتف، وعندما رفض لاحتوائه على صور عائلية لا يرغب في الاطلاع عليها أحد رأت مليشيات الحوثي في ذلك سببا لاعتقاله وسجنه ومقدمة لابتزاز عائلته.
وجهت له تهمة التعامل مع الجيش الوطني والتحالف العربي، وتم اقتياده إلى مبنى التوقيف الخاص بالنقطة، وهناك رفضت مليشيات الحوثي كل الجهود التي بذلت لإطلاق سراحه.
بعد شهر من الاحتجاز التعسفي، بدأت عناصر المليشيات في طرح فكرة دفع فدية مالية مقابل إطلاق سراحه وحدد المبلغ ب 300 ألف ريال.
أجرى والده مفاوضات شاقة مع مشرف النقطة الحوثية استمرت لأيام كي يتم تخفيض المبلغ فهو كبير للغاية ولا يستطيع دفعه.
وبعد انقضاء خمسة أيام تفاجأ بالمشرف الحوثي وهو يطالبه بسداد 80 ألف ريال على أن تدفع في الحال.
اقترض الأب الذي خشي تعرض ابنه لمكروه المبلغ من أحد أقاربه وقام بدفعه ليطلق ابنه بعد شهر من الاعتقال التعسفي والحجز غير القانوني.
وهكذا تستمر مليشيات الحوثي في سرقة الناس، وهناك بالطبع المئات وربما الآلاف من القصص التي تعرض خلالها مسافرون لعمليات مماثلة وجرى ابتزازهم على نحو وقح في نقاط التفتيش الحوثية.